أرسل لي أحد الأصدقاء لقطة مصورة يظهر فيها المتسابق الإسباني دييجو مينتريجا مع زميله المتسابق البريطاني جيمس تيجيل وهما على وشك بلوغ خط الوصول. وكان البريطاني متقدماً طوال السباق، إلا أنه قبيل عدة أمتار من خط النهاية، ذهب في المدخل الخطأ، فما كان من المتسابق الإسباني إلا أن توقف حتى يتمكن البريطاني من الحصول على المركز الثالث الذي استحقه عن جدارة. وعندما سئل لماذا تركته يفوز وكان بإمكانك أن تسرق منه الفوز؟ قال بكل بساطة: «لقد كان طوال الوقت أمامي، ولذلك استحق الفوز».. هنا تنتهي الحكاية، هنا تبدأ حكايتنا العربية، حيث ما نزال في التنافس ننتمي إلى ثقافة داحس والغبراء، التي فرخت ثقافة «داعش والعنقاء».. بالرغم من أننا نردد أفضل الأقوال.

لا أدري لماذا ذكرتني هذه الحكاية بالتداعي، بحكاية أخرى، هي حكاية الأب الفرنسي هنري بيير، الذي أوقف حياته على خدمة الفقراء والمشردين، حتى أصبح الشخصية الأكثراحتراماً وحباً بين الناس، ليس لكونه رجل دين، بل لأنه عاش منسجما ًمع نفسه، يفعل ما يقول ويقول ما يفعل، عاش فقيراً ومات فقيراً، وهب نفسه لخدمة الفقراء، من دون تمييز بسبب عرق أو اللون أو الدين، ولم يكن له في نضاله يوماً مرجعية دينية أو طائفية معلنة أو غايات تبشيرية، مع أنه القس الكاثوليكي. صلى جماعة مع المسلمين، لم يقحم منصبه الديني في معركته ضد الفقر والظلم، احترم علمانية الدولة في فرنسا، وكان وزنه المعنوي يفوق بمراحل وزن جميع السياسيين المنتخبين، لأن حب الناس صادق وبلا نفاق، واختياره العيش والموت فقيراً حتى صار رمزاً للجميع بمختلف دياناتهم.

السؤال: لماذا يندر وجود هؤلاء في البلاد العربية؟ عند محاولة الإجابة عن هذا السؤال، أستذكر - ومع كبيرالاحترام للأنقياء المخلصين - نموذج بعض رجال الدين، الذين يجمعون الثروات ويكدسون الأموال، وهم من أغنى الناس، وكذلك النموذج الآخر من الذين سوقوا لشركات توظيف الأموال التي نهبت أموال الفقراء، دون أن ننسى الذين شغلوا ويشغلون الرأي العام بمعارك طائفية ومهاترات وفتاوى لا محل لها من الإعراب، يدعون الناس إلى فعل الخير ولا يفعلون، وإلى الزهد ولا يزهدون، وإلى الخوف من الله ولا يخافون، وغير ذلك من الأفعال التي تفسر لماذا نبقى نعاني من فصام بين الأقوال والأفعال..

* همس:

عندما نلتقي

بعد طول غياب،

يعتريني وجع قديم

كأن الله يمهلني لحظة،

كطائر يبحث

عن ربوة يحط فيها،

في انتظار المطر،

قبل الرحيل.