يحكى أن أحد السلاطين -وهو مسافر في قافلتهِ - سمع أحد خدمه يقول لصديقه: «كيف لهذا السلطان أن يعين له وزيراً طاعناً في السن لا يقوى على القتال ولا يبدو أنه يفقه من أمور السياسة شيئاً وأنا خير منه؟!».
سمع السلطان هذا الكلام وعاد إلى خيمته، ونادى على هذا الخادم، وجاءه. قال لهُ السلطان وهو يسمع صوت نباح في جهة بعيدة عن خيمته: اذهب لترى ما هنالك؟!
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: إني رأيت جراء «كلاب صغيرة» حديثة الولادة هي التي تنبح.
سأله السلطان: كم عددها؟!
قال الخادم: لا أعلم!
قال لهُ السلطان: اذهب لتخبرني بعددها.
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: عددها سبعة.
قال لهُ السلطان: ما ألوانها؟
قال الخادم: لا أعلم.
قال لهُ السلطان: اذهب لتخبرني بألوانها.
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: منها ما يغلب عليه السواد ومنها ما يغلب عليه البياض.
قال السلطان: ما عدد التي يغلب عليها اللون الأسود؟
قال الخادم: لا أعلم.
قال لهُ السلطان: اذهب لتخبرني بأعداد السود منها.
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: أربعة منها سود.
قال لهُ السلطان: كم عدد البيض منها؟
أجاب الخادم بعد أن توقف ليفكر: ثلاثة منها من البيض.
فنادى السلطان على وزيره، فأتى الوزير إلى السلطان. فقال لهُ السلطان: اذهب لترى ما هنالك، «يقصد إلى جهة النباح».
فذهب الوزير وعاد الى السلطان وقال: إنها جراء حديثة الولادة عددها سبعة، أربعة منها يغلب عليها السواد والثلاثة الباقية يغلب عليها البياض ويبدو أن سبب نباحها الجوع.
فنظر السلطان إلى الخادم وقال: هل عرفت لماذا اخترتهُ وزيراً لي؟
خلاصة القصة كانت تقول: ضع الرجل المناسب في المكان المناسب لترى ما يصنع.
ورغم أن في هذه القصة جدلية متعلقة بالسن، وهي آفة ابتليت بها المجتمعات حينما تفسرها بطريقة خاطئة، باعتبار أنه كلما كبر المسؤول في السن، كان عطاؤه أفضل وخبرته أقوى، إلا أن الفكرة أعمق من ذلك، ومعنية باختيار الشخص الذي يمتلك الإجابات والمشورة الصحيحة ويجمع ذلك مع الخبرة والحصافة والذكاء. إذ الأداء في الحالة التي قرأناها أعلاه ليس معنياً بالركض والذهاب والعودة بسرعة، بل بنجاعة الفعل وحنكة التصرف، وهذا ما يصنع الفارق، وهذا ما يجعل المعلومات تصل بدقة وبشكل صحيح لصانع القرار. مثلما عاد الوزير ليمنح السلطان وصفاً دقيقاً للحالة التي كلفه بالاطلاع عليها، نسأل أنفسنا هنا عن عدد المسؤولين والوزراء الذين يحرصون على إيصال الحقائق بكل دقة ووضوح ودون تغييب لمعلومات أو تجميل لأي تفصيل قبيح للقادة. هل هناك مسؤول يذهب للقيادة ويتحدث بشكل شفاف عن وجود قصور في هذا الجانب أو ذاك؟ ويتحدث بما أشبه ما يكون بإدانة نفسه إن صدر منه تقصير؟ أو يطلب الدعم والعون إن احتاجت خطوات التصحيح والتطوير لدعم أقوى من القيادة؟ أو أقلها ينقل بأمانة هموم الناس؟!
لن نظلم الجميع، لكننا نجزم بأن الغالبية لا تفعل ذلك، فهي ديدنها ترديد إسطوانة «الأمور طيبة»، وفي النهاية الواقع يفيد بالعكس.
شعار «وضع الشخص المناسب في المكان المناسب» لم يوضع عبثاً، فالشعارات لا توضع إلا لحاجة، وحينما يتحول الشعار لمجرد «ديكور»، حينها إزالة الشعار يمثل حد الكفاف في التزام الصدق والشفافية!
{{ article.visit_count }}
سمع السلطان هذا الكلام وعاد إلى خيمته، ونادى على هذا الخادم، وجاءه. قال لهُ السلطان وهو يسمع صوت نباح في جهة بعيدة عن خيمته: اذهب لترى ما هنالك؟!
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: إني رأيت جراء «كلاب صغيرة» حديثة الولادة هي التي تنبح.
سأله السلطان: كم عددها؟!
قال الخادم: لا أعلم!
قال لهُ السلطان: اذهب لتخبرني بعددها.
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: عددها سبعة.
قال لهُ السلطان: ما ألوانها؟
قال الخادم: لا أعلم.
قال لهُ السلطان: اذهب لتخبرني بألوانها.
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: منها ما يغلب عليه السواد ومنها ما يغلب عليه البياض.
قال السلطان: ما عدد التي يغلب عليها اللون الأسود؟
قال الخادم: لا أعلم.
قال لهُ السلطان: اذهب لتخبرني بأعداد السود منها.
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: أربعة منها سود.
قال لهُ السلطان: كم عدد البيض منها؟
أجاب الخادم بعد أن توقف ليفكر: ثلاثة منها من البيض.
فنادى السلطان على وزيره، فأتى الوزير إلى السلطان. فقال لهُ السلطان: اذهب لترى ما هنالك، «يقصد إلى جهة النباح».
فذهب الوزير وعاد الى السلطان وقال: إنها جراء حديثة الولادة عددها سبعة، أربعة منها يغلب عليها السواد والثلاثة الباقية يغلب عليها البياض ويبدو أن سبب نباحها الجوع.
فنظر السلطان إلى الخادم وقال: هل عرفت لماذا اخترتهُ وزيراً لي؟
خلاصة القصة كانت تقول: ضع الرجل المناسب في المكان المناسب لترى ما يصنع.
ورغم أن في هذه القصة جدلية متعلقة بالسن، وهي آفة ابتليت بها المجتمعات حينما تفسرها بطريقة خاطئة، باعتبار أنه كلما كبر المسؤول في السن، كان عطاؤه أفضل وخبرته أقوى، إلا أن الفكرة أعمق من ذلك، ومعنية باختيار الشخص الذي يمتلك الإجابات والمشورة الصحيحة ويجمع ذلك مع الخبرة والحصافة والذكاء. إذ الأداء في الحالة التي قرأناها أعلاه ليس معنياً بالركض والذهاب والعودة بسرعة، بل بنجاعة الفعل وحنكة التصرف، وهذا ما يصنع الفارق، وهذا ما يجعل المعلومات تصل بدقة وبشكل صحيح لصانع القرار. مثلما عاد الوزير ليمنح السلطان وصفاً دقيقاً للحالة التي كلفه بالاطلاع عليها، نسأل أنفسنا هنا عن عدد المسؤولين والوزراء الذين يحرصون على إيصال الحقائق بكل دقة ووضوح ودون تغييب لمعلومات أو تجميل لأي تفصيل قبيح للقادة. هل هناك مسؤول يذهب للقيادة ويتحدث بشكل شفاف عن وجود قصور في هذا الجانب أو ذاك؟ ويتحدث بما أشبه ما يكون بإدانة نفسه إن صدر منه تقصير؟ أو يطلب الدعم والعون إن احتاجت خطوات التصحيح والتطوير لدعم أقوى من القيادة؟ أو أقلها ينقل بأمانة هموم الناس؟!
لن نظلم الجميع، لكننا نجزم بأن الغالبية لا تفعل ذلك، فهي ديدنها ترديد إسطوانة «الأمور طيبة»، وفي النهاية الواقع يفيد بالعكس.
شعار «وضع الشخص المناسب في المكان المناسب» لم يوضع عبثاً، فالشعارات لا توضع إلا لحاجة، وحينما يتحول الشعار لمجرد «ديكور»، حينها إزالة الشعار يمثل حد الكفاف في التزام الصدق والشفافية!