النقاش الجاد والحيوي لأي قضية مهما كانت حساسيتها يساعد أصحاب القرار على تحسين أدائهم وهذا هو دور الإعلام ، بل أنني على يقين تام بأن جميع المسؤولين يتابعون أي مناقشة إن كانت مهنية وبها قدر من الصراحة والجرأة على طرح الآراء باهتمام تام، ويأتي على رأس المتابعين لتلك النقاشات جلالة الملك حفظه الله، فكم مرة انتصر فيها لحرية الرأي ورفع سقف النقاش وأعاد الأمور لنصابها أن حاول أحد المسؤولين باجتهاده الشخصي إنزال هذا السقف.على يقين أنه حتى سمو ولي العهد النائب الأول لرئيس الوزراء من الأشخاص الذين لا يملون ولا يكلون حين يرى نقاشاً مهنياً حرفياً، وهذا ما لمسته شخصياً في جدل دار بيني وبين الدكتور العريبي في لجنة تعديل قانون الصحافة عام 2005، حيث عقد اجتماعاً خاصاً ليستمع إلى مناظرة بيني وبين الدكتور حول أحد البنود الخاصة في القانون والمتعلقة بالسماح أو عدم السماح بالتمويل الأجنبي لوسائل الإعلام وكنت ضده طبعاً والدكتور كان مع.كان سموه مصغياً متابعاً بشكل حاد وحيوي ومداخلته تدل على المتابعة الحثيثة وأحياناً كنت أراه مبتسماً مستمتعاً بالنقاش، ولذلك لا أعتقد بأنه سيضيق ذرعاً بأي نقاش علني على أداء الحكومة يتم إعلامياً، هو بالذات يحب أن تكون الأمور واضحة له تماماً قبل اتخاذ القرارات.ولا حاجة للقول بأن سمو رئيس الوزراء كان يؤكد دوماً على مقولة انتقدوني وانتقدوا أداء الحكومة فلم يقيد رأياً ولم يضق صدره أبداً من رأي مخالف.لذلك أعجب من حالة الفتور الإعلامي التي وصلنا لها ولا حديث إلا عن نجاحات الحكومة وهو حديث مطلوب ولكن أين وجه العملة الآخر؟ أين النقد البناء؟ اختفى!ولك مثال على ذلك في انعدام النقاش على أداء الحكومة في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، كان النقاش الإعلامي العلني يتيح للحكومة الرد على ما جاء بالتقرير للرأي العام، وكان النقاش يتم على أعلى مستوى يشارك بالنقاش وزراء ونواب وأعضاء شورى وخبراء، ساهم الإعلام بعرض وجهات النظر المختلفة على التلفزيون والجدل كان صحياً لأصحاب القرار، والأهم كان النقاش يخدم حتى صورة البحرين والانطباع حول جدية الإصلاحات السياسية.... أين ذلك كله الآن؟للمرة الأولى يصدر تقرير ديوان الرقابة المالية ولم يتح للإعلام أن يرى التقرير كاملاً كالعادة بل زودت الصحف بملخص من 13 صفحة فقط في حين كانت التقارير السابقة تزيد عن 500 صفحة.دع عنك التقرير إنما الواقع الذي يلمسه الجميع أن النقاش حول أداء الحكومة إعلامياً لا على الصحافة ولا على الشاشة لم يعد له أثر.أذكر كنا نناقش أداء الحكومة أحياناً مع نواب في البرامج التلفزيونية، وأحياناً بعرض أبرز ما جاء فيه وتحليله، هذا النقاش رغم أنه كان مزعجاً للحكومة لأنه يستعرض أوجه الهدر للأموال العامة لكن والشهادة لله لم يطلب أحد من المسؤولين منع الحديث لا على شاشة التلفزيون ولا على الصحافة.كانت أجواء حرية التعبير محفزة كما يشجعها جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء و سمو ولي العهد، اليوم انصرف الناس وابتعدوا فالميزان مائل.وللعلم لا أحد أصدر توجيهاً بعدم النقاش والجدل الإعلامي حول الأداء الحكومي، هذا صحيح ولكن الواقع أن هناك «أجواء عامة» محبطة لحرية التعبير، وهناك أجواء محفزة لها، والتعاطي الإعلامي مع الأداء الحكومي نقداً حتى وإن كان بناء، اختفى تماماً وذلك أحد المؤشرات التي تبين نحن في أي من الأجواء، المحبطة أم المحفزة.