تمتزج الأخبار بالدموع، تتشبع الكلمات بالألم، تتحشرج بداخلك كطعنات تصنع جروحاً وتترك ندوباً، تبقى الأخيرة معك للأبد. وهكذا تكون سطور الرثاء في فقد إنسان عزيز وغال على القلب، رحيله يفجع، وذكراه تكون مبعثاً لآلام تحرق الفؤاد كلما عادت بك الذاكرة لمحطاته الأثيرة.

اسمك بدون ألقاب يكفي ليعرفك العالم، فهو بحد ذاته «لقب»، فـآه يا «خليفة بن سلمان» كيف نرثيك؟! كيف نختزل تاريخاً «جباراً» في سطور؟! كيف نحكي «قصة وطن» باختصار، ونحن نعلم أن خليفة بن سلمان «قصة وطن» لا تختصر؟!

آه لوطن يفقد وطناً، رحل «أسد آل خليفة»، رحل «الأمير الإنسان» و»القيادي الصلب»، رحل «الأب الحنون» و»الرئيس المحنك». تركنا ونحن نمني النفس بلقياه والحديث معه ولو لمرة أخيرة. مضى وشعب البحرين في لهفة لرؤيته «يصول ويجول» في مدنها وقراها وأروقتها كعادته، يسأل الصغير والكبير والشباب والشيوخ والعواجيز عن همومهم ومشاكلهم ليوجه بحلها على الفور، فـ»ما للصعاب إلا خليفة». رحل بعد كلماته الأخيرة في آخر جلسة لمجلس الوزراء شرفها ترؤس جلالة الملك، حين قال «شعب البحرين يستاهل الخير» وكأنه يوصي بنا.

غادرنا «الرجل» الذي أبصرنا الدنيا وهو رئيس لوزرائنا وعضيد لشقيقه والدنا الراحل الشيخ عيسى بن سلمان رحمه الله، غادرنا «القائد الفذ» الذي قهر مع شقيقه الأكبر «السنوات الصعبة» وأسس معه «قيام الدولة»، وواجه أطماع المعتدي. غادرنا «العضيد القوي» لجلالة الملك حمد حفظه الله، ملكنا الغالي «المجدد عراب البحرين القوية الحديثة» الذي ندعو له بطول العمر، والذي نعزيه أحر العزاء، فحمد بن عيسى فقد والداً وعماً عزيزاً وسنداً وقيادياً حكيماً، فقد «رمزاً للثبات» لطالما وقف «شامخاً» لأجل بحريننا وشعبها مثلما «الجبل العظيم»، فامسح يا ربي على «قلب حمد».

لم يهدأ ولم يستكن ولم يرتح يوماً، فهو كما قال لنا مراراً «البحرين أمي، وأنا ابن بار بها، وشعبها أمانتها لي»، رحمك الله يا خليفة فاليوم أمك تبكيك بحرقة، وشعبها يعتصر قلبه الألم وتغرق مآقيه الدموع، فـ»الابن البار رحل» تاركاً لنا أغلى أمانة، تاركاً لنا دروساً عظيمة، تعلمنا منها وسنعلمها لأبنائنا وأجيالنا المتعاقبة، دروس في الوطنية وعشق هذا التراب والثبات دفاعاً عنه والولاء لملكنا والاصطفاف خلفه، باختصار علمتنا يا والدنا «ما هي البحرين» و»ما هي قيمة الوطن»، فأنت من قلت لنا ذات يوم: «وأي شيء يبقى، حينما يضيع الوطن؟!».

لن أتجاسر على حصر أعمالك العظام ومناقبك، فقلمي يعجز عن تحقيق «هذا المستحيل»، ولن أرثيك فمثلك لا يرثى، بل الرثاء لنا لفقدك ورحيلك عنا، روحك الطاهرة في السماء عند رب عظيم كريم، لكنك ستظل موجوداً بيننا على الأرض «مخلداً» في أفئدتنا وبداخل مشاعرنا وأفكارنا، نستذكرك في ذكرياتنا الجميلة، ذكريات «ملاحم وطن» فيها نسترجع دروس عظمتك وقوتك وشموخك، لنقول بعدها بإيمان تام: مثلما لم يمت والدنا عيسى في وجداننا، فـ»خليفة المجد» لا يموت أبداً في قلوبنا.