منذ لحظة إعلان وفاته والحديث لا ينفك عن «قربه من الناس» وعلاقته بالناس، وارتباطه بالناس، وربما استغرقت هذه الصفة معظم مرثياته وغالبيتها. تحدثوا عن إنجازاته، وتحدثوا عن دوره في مرحلة التأسيس كرجل دولة، لكنهم وقفوا كثيراً عند التصاقه بالناس، ذلك السحر الذي كان يشع منه حين التقائه بهم وهي صفة تختزلها وتختصرها العديد من المواقف التي جمعته بالناس، ما عليك إلا أن تصغي السمع لها وتتعلم لتحسن خاتمتك، فمن أحبه الله ستسمع بعد موته كيف أحبه الناس.
هناك بشر أنعم الله عليهم ببصيرة ترشدهم إلى مصادر قوتهم وطاقتهم المستمدة منها، فإن هم أدركوها أدركوا مصدراً من مصادر سعادتهم، وقد أدرك سموه رحمه الله مبكراً أنه من البشر الذين تشع طاقتهم ممن حولهم بطريق مزدوج، أي المسار وعكسه، يمد من حوله طاقة من روحه ويستمدها من أرواحهم.
الدائرة الأولى التي كان خليفة بن سلمان يستمد منها طاقته جاءت من أبنائه وأحفاده وعلاقته بأخواته اللاتي أبقاهن حوله وبقربه على مدار اليوم، حرص على الاجتماع بهم يومياً، ولا يطيق فراقهم، كانوا أهم مصدر من مصادر طاقته، لذلك كان يقدر دوما كينونة «العائلة» ولذلك كان دائم السؤال عن آباء من يلتقيهم «انت ابن من؟» أو «انت ابنة من؟».
تلك نعمة بحد ذاتها استمتع بها سموه إلى آخر رمق، كان يقدر فعلاً نعمة الأسرة والأبناء والأحفاد والإخوة، نهل من تلك الطاقة قدر استطاعته، وحرص على أن يجتمع بهم ويتفقدهم ولا بد من أن يجتمع معهم حتى ولو على «ويبه» يستمع لهم ويستمعوا له، وتستطيع أن تلمس ذلك الإعجاب المتبادل بينهم وذلك التعلق الأبوي من جميع أحفاده فكان لهم أباً أكثر من آبائهم، لذلك رثاه أحفاده باليتم من بعده.
ثم تأتي علاقته بالدائرة الثانية من الناس المحيطين به، وهم فريق عمله، ولم يكونوا موظفين، بل كانوا أسرته الثانية وعلاقته بهم علاقة أبوية. لم تكن رابطة عمل أبداً تلك التي جمعتهم به، إنما كانت أقرب إلى روابط الدم، حتى من التحق بالعمل معه مؤخراً تعلق بأبوته بسرعة، وحدث ذلك التماس الذي يصاحبه أينما حل، انظر إلى من حمل نعشه؟ كانوا من أسرته الأولى وأسرته الثانية جنباً إلى جنب، ولا يحدث هذا الرابط بين رب عمل وموظفيه، بل بين أب وأبنائه، فأبوا إلا أن يودعوه وداع الأبناء لأبيهم وأعرف تماماً ماذا يعني فراقه لهم.
أما دائرته الكبيرة فكانت هي مصدر سعادته العظمى وراحته، وقالها ذات مرة لهم «لا أعرف كيف سأتحمل هذا الحب؟» كانوا هم أبناء البحرين بكل تلاوينهم ونسيجهم الاجتماعي، كانوا مصدراً من مصدر طاقته التي يستمد منهم قوته، مجلسه الأسبوعي المفتوح الذي يكتظ دوماً ويضاف لصف الكراسي صف ثانٍ وأحياناً ثالث، يفرح بزواره ويهش ويبش ويرحب ويتأنى في الحديث مع كل شخص، ويظل ممسكاً بيده وهو يحدثه، ويصغي باهتمام تام لحديثهم، ولا يفصل بينه وبينهم إلا شبر، يسأل عن البنت وبنت البنت كما يقولون، حديثه معهم حميمي بلا بروتوكولات، يمازحهم يضحك معهم يواسيهم بلا حواجز ورسميات.
يزوهم في مجالسهم في أسواقهم في بيوتهم دائم الحضور بينهم في مواجبهم يقف أحياناً أكثر من ثلاث ساعات وهم يتوافدون له متزاحمين للسلام عليه، للحديث معه، لممازحته، للتصوير معه، التفاف الناس حوله من الأوقات التي يحبها ولا يشكو من تعبها، بل ويتفرغ لها فلا يرتبط بمواعيد بعدها حتى يستأنس بالناس ويستأنسون به.
الكاريزما التي يتمتع بها بعض خصالها منحة من رب العالمين إنما أغلبها خطها سموه لنفسه، مهيب دون خوف له ثقله دون ارتجاف، محترم لأنه يحترم الكل، لا يخاطب أحداً إلا بأبوة كريمة، يثمن الناس ويقدرهم، حين إذا أعطى أمراً لمن حوله يطلبه باحترام، فعلاً كان يحترم و«يوجب» و«يحشم» الصغير والكبير والوزير والفقير، فإن تحدثوا سمعهم بكل حواسه، لا يبدي أي حركة تدل على أنه لا يهتم، حريص على رسائله الجسدية جداً، ويعرف كيف يوصل ما يود أن يقوله دون أن يتكلم، وظف كل حواسه لتلك الطاقة بما فيها لغة جسده. كان يقدر الجمال الإنساني مخبراً وحتى مظهراً، فكان حريصاً على مظهره ومظهر من حوله لا يتردد في تنبيههم، يقدر تناسق الألوان مجدداً لملابسه دوماً بعصرية لا تخل بما يتناسب مع كل مراحله العمرية، تلك صفات معروفة عنه، ولفتت أنظار الجميع وهي واحده من مميزاته.
الحديث يطول عن خليفة بن سلمان الإنسان فقد كان سيد العلاقات العامة بلا منازع، مدرسة عريقة في الإنسانية لأنه باختصار حقق معادلات يصعب تحقيقها في زمن صعب.
{{ article.visit_count }}
هناك بشر أنعم الله عليهم ببصيرة ترشدهم إلى مصادر قوتهم وطاقتهم المستمدة منها، فإن هم أدركوها أدركوا مصدراً من مصادر سعادتهم، وقد أدرك سموه رحمه الله مبكراً أنه من البشر الذين تشع طاقتهم ممن حولهم بطريق مزدوج، أي المسار وعكسه، يمد من حوله طاقة من روحه ويستمدها من أرواحهم.
الدائرة الأولى التي كان خليفة بن سلمان يستمد منها طاقته جاءت من أبنائه وأحفاده وعلاقته بأخواته اللاتي أبقاهن حوله وبقربه على مدار اليوم، حرص على الاجتماع بهم يومياً، ولا يطيق فراقهم، كانوا أهم مصدر من مصادر طاقته، لذلك كان يقدر دوما كينونة «العائلة» ولذلك كان دائم السؤال عن آباء من يلتقيهم «انت ابن من؟» أو «انت ابنة من؟».
تلك نعمة بحد ذاتها استمتع بها سموه إلى آخر رمق، كان يقدر فعلاً نعمة الأسرة والأبناء والأحفاد والإخوة، نهل من تلك الطاقة قدر استطاعته، وحرص على أن يجتمع بهم ويتفقدهم ولا بد من أن يجتمع معهم حتى ولو على «ويبه» يستمع لهم ويستمعوا له، وتستطيع أن تلمس ذلك الإعجاب المتبادل بينهم وذلك التعلق الأبوي من جميع أحفاده فكان لهم أباً أكثر من آبائهم، لذلك رثاه أحفاده باليتم من بعده.
ثم تأتي علاقته بالدائرة الثانية من الناس المحيطين به، وهم فريق عمله، ولم يكونوا موظفين، بل كانوا أسرته الثانية وعلاقته بهم علاقة أبوية. لم تكن رابطة عمل أبداً تلك التي جمعتهم به، إنما كانت أقرب إلى روابط الدم، حتى من التحق بالعمل معه مؤخراً تعلق بأبوته بسرعة، وحدث ذلك التماس الذي يصاحبه أينما حل، انظر إلى من حمل نعشه؟ كانوا من أسرته الأولى وأسرته الثانية جنباً إلى جنب، ولا يحدث هذا الرابط بين رب عمل وموظفيه، بل بين أب وأبنائه، فأبوا إلا أن يودعوه وداع الأبناء لأبيهم وأعرف تماماً ماذا يعني فراقه لهم.
أما دائرته الكبيرة فكانت هي مصدر سعادته العظمى وراحته، وقالها ذات مرة لهم «لا أعرف كيف سأتحمل هذا الحب؟» كانوا هم أبناء البحرين بكل تلاوينهم ونسيجهم الاجتماعي، كانوا مصدراً من مصدر طاقته التي يستمد منهم قوته، مجلسه الأسبوعي المفتوح الذي يكتظ دوماً ويضاف لصف الكراسي صف ثانٍ وأحياناً ثالث، يفرح بزواره ويهش ويبش ويرحب ويتأنى في الحديث مع كل شخص، ويظل ممسكاً بيده وهو يحدثه، ويصغي باهتمام تام لحديثهم، ولا يفصل بينه وبينهم إلا شبر، يسأل عن البنت وبنت البنت كما يقولون، حديثه معهم حميمي بلا بروتوكولات، يمازحهم يضحك معهم يواسيهم بلا حواجز ورسميات.
يزوهم في مجالسهم في أسواقهم في بيوتهم دائم الحضور بينهم في مواجبهم يقف أحياناً أكثر من ثلاث ساعات وهم يتوافدون له متزاحمين للسلام عليه، للحديث معه، لممازحته، للتصوير معه، التفاف الناس حوله من الأوقات التي يحبها ولا يشكو من تعبها، بل ويتفرغ لها فلا يرتبط بمواعيد بعدها حتى يستأنس بالناس ويستأنسون به.
الكاريزما التي يتمتع بها بعض خصالها منحة من رب العالمين إنما أغلبها خطها سموه لنفسه، مهيب دون خوف له ثقله دون ارتجاف، محترم لأنه يحترم الكل، لا يخاطب أحداً إلا بأبوة كريمة، يثمن الناس ويقدرهم، حين إذا أعطى أمراً لمن حوله يطلبه باحترام، فعلاً كان يحترم و«يوجب» و«يحشم» الصغير والكبير والوزير والفقير، فإن تحدثوا سمعهم بكل حواسه، لا يبدي أي حركة تدل على أنه لا يهتم، حريص على رسائله الجسدية جداً، ويعرف كيف يوصل ما يود أن يقوله دون أن يتكلم، وظف كل حواسه لتلك الطاقة بما فيها لغة جسده. كان يقدر الجمال الإنساني مخبراً وحتى مظهراً، فكان حريصاً على مظهره ومظهر من حوله لا يتردد في تنبيههم، يقدر تناسق الألوان مجدداً لملابسه دوماً بعصرية لا تخل بما يتناسب مع كل مراحله العمرية، تلك صفات معروفة عنه، ولفتت أنظار الجميع وهي واحده من مميزاته.
الحديث يطول عن خليفة بن سلمان الإنسان فقد كان سيد العلاقات العامة بلا منازع، مدرسة عريقة في الإنسانية لأنه باختصار حقق معادلات يصعب تحقيقها في زمن صعب.