أتابع مسلسل في نتفليكس إنتاج إسرائيلي اسمه «فوضى» يتناول الخطوط الأمنية المتشابكة الإسرائيلية الحمساوية القطرية وحجم التنسيق الأمني اليومي بين هذه الأطراف وبينها وبين السلطة الفلسطينية!!

فتأتي الأخبار بموت الظواهري في طهران وهناك أقوال إنه مات في قطر، متزامنة مع أخبار حزب الله وهو يتفاوض مع إسرائيل على ترسيم الحدود.

ونتساءل أين الجمهور العربي من هذه الوقائع المناقضة لقناعاته؟ أليست هذه الوقائع تأتي عكس ما روج له؟ هل من الطبيعي أن لا تهزه هذه الوقائع وأن تفيقه من تخديره ومن استغفاله؟

هل معقولة أن ما زال يصدق أن الأطراف التالية (الفلسطينيين والإسرائيليين والقطريين والإيرانيين واللبنانيين والداعشيين والقاعديين والأتراك) أعداء؟ الذين ملؤا الفضاء الإعلامي شتماً وسباً في بعضها البعض وتبادل اتهامات هل يعقل أن لا يرى الآن علاقاتهم المترابطة المتشابكة والمتعاونة والمنسقة والمتبادلة المنافع هي واقع إلى حد كبير؟ ألم يفهم بعد أن لديهم نقاط التقاء وخطوط اتصال وتفاهمات كبيرة، ولكنهم اتفقوا على المظهر العدائي وإعلام له ضوضاء كبيرة يغطي على هذه العلاقات ويبعدها عن الانكشاف؟

أنت تعلم كم الزيف والخداع السياسي مخيف لشدة انتشاره إنما لا يمكن أن ينجح هذا الكذب لولا وجود جمهور مهيأ لاستقبال الكذب وقابلية التصديق لديه جاهزة ومعدة ومهيأة وفاتحة ذراعيها لاستقبال ما يلقى إليها، لدرجة أن من سيكذب عليه لا يحتاج لبذل مجهود كبير.

في عالمنا العربي هذا الجمهور هو المتسيد، وهو الغالب لذلك هو من أسهل الجماهير استقطاباً ومن أسهل المتلقين إقناعاً، ولا يحتاج من سيكذب عليه أن يفكر ويجهد نفسه كثيراً في حبك ورسم الكذبة، يكفيه أن يجعل الجمهور محباً للبطل!

صدق هذا الجمهور أن داعش والقاعدة سعودية المنشأ صدق أن السعودية هي من يقف وراء المليشيات الإرهابية السنية، فإذا بإيران وقطر وتركيا ومن ورائهم دوائر استخبارات أمريكية وإسرائيلية تستضيفهم وتمولهم وتدربهم وجمهورنا ما زال مستنكراً أي رابطة بين تركيا وإيران وإسرائيل وأمريكا، جمهورنا ما زال مصدقاً لحالة العداء بين داعش وإيران وبين القاعدة وإيران، ويجد أنه من الاستحالة اجتماع أصحاب المذهبين تحت مظلة واحدة!!

خطب المعممين الإيرانيين ودعاؤهم على القاعدة والدواعش وإعلامهم الذي يصيح ليل نهار متهماً السعودية يجد له صدى واسعاً لدى الجمهور العربي الواسع.

الفلسطينيون الذين صدعوا رؤوسنا عن صراعهم مع الإسرائيليين يركزون على العمليات المتضادة المنفردة بين حين وآخر في إعلامهم ويتغاضون عن خطوط التفاهمات والتنسيق الأمني بين الاثنين.

حريم السلطان الواهمات بالعداء الأردوغاني الإسرائيلي متعلقين بمنظر أردوغان وهو يخرج من القاعة رافضاً الحديث مع الإسرائيليين، ولا يرونه وهو يلبس القلنسوة عند صرح الجندي المجهول في تل أبيب.

العلة في جماهيرنا لا في ماكنة الكذب والتدليس، العلة في عقلياتنا التي تصدق ما ترغب في تصديقه حتى لو رأت عكسه ماثلاً أمامه، عيننا التي لا ترى سوى ما تود أن تراه أذننا التي لا تسمع إلا ما يطربها.

لكل دليل دامغ يأتي على عكس ما يقبله العقل جواباً ورداً لدى هذه الجماهير حتى لو كان الجواب والرد مضحكاً، جمهورنا قابل أن يضحك على نفسه ويستغفل.

لذلك لا يحتاج كاتب السيناريو والمخرج في الدراما العربية أن يجيد الحبكة فجمهوره إن أحب البطل فكل ما يفعله قابل للتصديق.