في زمننا هذا بات الصديق المخلص من الأساطير التي يندر وجودها، لدينا اليوم أصدقاء المصلحة، وأصدقاء المنصب، الذين سرعان ما يختفون من حياتنا إن انتهت الحاجة لنا.

اليوم لا تجد الصديق عند الضيق، بل تنصدم بحقيقة أشخاص كنت تكن لهم الاحترام والتقدير، ولربما سعيت لهم أكثر مما سعيت لأهلك وأقربائك وحتى إخوانك، تنصدم بتحول الشخص إلى إنسان لا يعرف، وكأنه لم يصادفك يوماً، ولم يطلب منك مساعدة أو خدمة ما.

الشدائد والمصائب هي ما يفرز لنا الأصدقاء والأعداء، هي التي تفرز لنا المخلص في علاقته وقربه، والمنافق المتملق في صداقته.

في زمننا الغريب هذا باتت معرفة «العدو» أسهل من الصديق، فالأول يناصبك العداء ويصرح به ولا يخفيه، فتعرف أنه عدوك الذي لا يجمعك معه شيء على الإطلاق، وأنكما ستظلان واقفين على ضفتين متقابلتين لا يمكن لهما في يوم التلاحم.

لكن المشكلة في الصديق الذي في داخله ليس صديقاً، بل مدعي صداقة، أو «ممثل» لهذا الدور، هو الذي لن تراه أمامك أو بقربك عند الشدائد. هو الذي ستتغير معاملته بعد أن كان يعاملك باحترام شديد يتحول لمحارب لك، ساع في أذيتك.

لذلك على الإنسان ألا ينسى دروس الحياة، عليه في كل موقف يمكن أن يصنفه على أنه شدة أو مصيبة أو كارثة، يمكن في كل موقف أن يعرف الناس أكثر، أن يكشف سرائرهم بصورة أكبر.

هناك أمثلة حياتية عديدة على أصعدة مختلفة، وأبسطها يمكن أن يسردها المسؤولون، وخاصة السابقين منهم، إذ كيف حالهم اليوم بالمقارنة بالأمس؟! كيف وضعية الحاشية والمقربين والأصدقاء، هل هم بنفس العدد، وبنفس حميمية العلاقة؟! هل العلاقة أصلاً مستمرة دون انتظار لوجود أي منفعة أو استفادة؟!

حتى غير المسؤولين ممن يقدمون خدمات عامة للمجتمع، يمكن أن ترى أفراداً يتقربون منهم، أو أناساً يسعون للاستفادة من خبراتهم وخدماتهم، لكن هذه العلاقات أبداً لا تدوم، لأنها غير صادقة، ولا تتجرد من ارتباطها بالمنصب أو القدرات أو الخدمات.

لذلك الأصدقاء الحقيقيون هم الذين لا تقلبهم المواقف، هم الذين تجدهم دائماً معك، في السراء والضراء، تراهم حولك إن كنت مسؤولاً رفيعاً صاحب نفوذ وقرار، أو عدت شخصاً عادياً.

لا تلعنوا الشدائد، ولا تتضايقوا بالمحن والمواقف، رب العباد يفرجها أياً كانت، لكنها في المقابل تخدمكم بأن تكشف لكم حقيقة البشر، والأهم أنها تكشف لكم العدو المتخفي في رداء الصديق.