جرت العادة أن العديد من تصريحات لجان التحقيق البرلمانية طوال أدوار الانعقاد السابقة والتي يطلقها أعضاء أو رئيس لجنة التحقيق قبل انتهاء عملها وأثناء إجراء التحقيق، جرت العادة أن تتغير وتتبدل التصريحات بعد الانتهاء من عمل اللجنة، تتحول فيها الاتهامات القوية التي أطلقت في بداية عمل اللجنة إلى توصيات بسيطة بالإمكان تطبيقها وتنفيذها ولم يكن هناك حاجة لإلقاء تلك التهم!!

وجرت العادة أن يتسابق أعضاء اللجنة في التصريحات، حتى أُجري تعديل وتم قصر اختصاص التصريح على رئيس اللجنة فقط، ولكن لم يجرَ تعديل على منعه من التصريح إلى حين الانتهاء من التحقيق، لذلك ومن منطلق الشفافية مع الرأي العام نجد كماً كبيراً من التصريحات يطلقها رؤساء لجان التحقيق أثناء عملهم، ثم مع الوقت وبعد الحصول على كافة الردود وقرب انتهاء مناقشته في الجلسة العامة تخفت قوة التصريحات ومن ثم تختفي معظم الاتهامات التي كانت موجهة في بداية التحقيق!! والأمثلة كثيرة مثل لجنة التحقيق في وزارة الصحة ولجنة التحقيق في مستشفى الملك حمد ولجنة التحقيق في الإسكان و.. و.. و.. و التي ألقيت فيها اتهامات خطيرة لمسؤولين أثناء عمل اللجنة ثم بلع رؤساء اللجان اتهاماتهم لأن معظمها كان متسرعاً.

اليوم نتابع تصريحات رئيس لجنة التحقيق في «الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية» وهذه المرة تصريحاته تنتشر بسرعة بسبب وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي نقلتها وبغزارة وقد «ثبت» عند الرأي العام من خلال تصريحات رئيس اللجنة الآن التالي:

1: «اختفاء» 900 مليون دينار، ولا أحد يعلم إلى الآن هل هي اختلاس؟ أم هي نصب واحتيال؟ أم هي اختلافات ورقية أو هي قراءة خاطئة من لجنة التحقيق بين قائمتين مختلفتين كما ردت الهيئة؟ ورد الهيئة لم يقرأه أحد ولم تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي.

إنما الثابت عند الرأي العام أن هناك «بوقه» بقيمة 900 مليون دينار، هذا ما لمحت به جميع التعليقات والآراء والكاريكاتيرات.

2: شركة أصول وهي الشركة التي تعمل على استثمار أموال التأمينات عبارة رئيس وأعضاء مجلس إدارة ورئيس تنفيذي لا يعرفون «شغلهم» فهي شركة ربحانة في سنة وربحها يقل في السنة التي تليها وفقاً لتصريحات رئيس اللجنة.

وهناك ثوابت أخرى عديدة عند الرأي العام مصدرها تصريحات رئيس اللجنة تتراوح بين اتهامات بالتسيب والإهمال كأضعف الإيمان واتهام مبطن بالاختلاس كأكبرها، هذا ولم تنتهِ اللجنة من عملها إلى الآن، وأقول «ثوابت» لأن الذي يثبت عند الناس هو ما يصلهم في البداية ومن الصعب تغييره أو تصحيحه لاحقاً خاصة إذا كان الاتهام بصوت عالٍ والتصحيح بصوت خافت.

نحن بانتظار نهاية التحقيق ونشر التقرير حتى نعرف إن كانت تلك الاتهامات حقيقية وثابتة وكلاماً نهائياً، أم أن التقرير شيء والتصريحات السابقة شيء آخر.

إن ثبتت تلك الاتهامات فلابد من محاسبة وعلنية للمتلاعبين بأموال الناس سراق المال العام الذين تسببوا بضياع ما يقارب المليار دينار من الأموال التي ائتمنوا عليها، فلا تهاون مع الفساد.

وإن ثبت أن تلك التصريحات كانت متسرعة وهناك أجوبة لاتهاماتها منطقية ومقنعة للرأي العام وللخبراء والمختصين تبرئهم، فلابد أن يُجرى تعديل على اللائحة الداخلية للنواب يمنع رؤساء لجان التحقيق من التصريح إلى حين الانتهاء من التحقيق في المرات اللاحقة، وتكون هذه التجربة درساً للرأي العام وللنواب أن يتريثوا في كل الأحوال ولا يتسرعوا في إلقاء اتهامات بهذا الحجم وتلك الأهمية قبل الانتهاء من التحقيق.

كما نتمنى من الصحافة أن تتريث هي الأخرى في مسألة اختيار العناوين إلى أن ينتهي التحقيق، فاتهام الناس في نزاهتها وشرفها ليس بطولة، في النهاية إلقاء التهم من قبل أي طرف موكل بنقل المعلومة والتحقيق على الاآرين إن كانوا نواباً أو صحافة أو نيابة عامة أو غيرهم ليست بطولة البطولة في إثباتها.