البعض يعتقد أن كل إنسان بمقدوره الصبر حينما تعصف به الملمات الجسام ويتواجه مع مواقف تقهر قوة الرجال.

وحدهم الذين يؤمنون بأن الصبر اختبار من رب العالمين، هم نماذج لأشخاص عرفوا أن الدنيا دار اختبار وبلاء، وأنك كلما ابتليت واختبرك ربك بالصبر، كلما كان لك عظيم الأجر.

وهنا تثقل الكلمات حينما يكون الصبر مطلباً في مواجهة واقع إلهي يخطف منك غالياً وعزيزاً، كثير منا ينهار، وكثير منا يبكي بلا توقف، وكثير منا تسود الدنيا في عينيه، وهذا أمر بشري طبيعي، لكن القوة في الإيمان بقضاء الله وقدره.

قد لا أكون شخصياً بهذا القدر من القوة في شأن الصبر، خاصة حينما فقدت أعزاء وتحديداً حينما فقدت جداتي وجدي، لكنني رأيت في حياتي نماذج للصبر أغبطها، ورأيت أشخاصاً كان إيمانهم بالله قوياً لدرجة أن كانت كلماتهم الأولى «قدر الله وما شاء فعل» في أول رد فعل لفقد أعز ما يملكون.

الأيام الماضية أوجعتني بسبب وجعين تتاليا على إخوة وأصدقاء أكن لهم كل محبة وود، هم ثلاثة أعرف منهما اثنين، ومن الاثنين أعرف واحداً منذ قرابة عقدين من الزمان، رجل عرفته شهماً وأصيلاً وكريماً وذا أخلاق رفيعة، رجل لم أجده يوماً عابساً حتى لو كانت الظروف والأيام عصيبة، رجل رأيت كيف يهب ليساعد الناس، وكيف يستقبل عشرات الاتصالات بحكم عمله ويتحمل فيها الناس، رجل رأيت الصبر يتجسد فيه، ورأيت إيمانه بقضاء الله وقدره كدرس بليغ يتعلم منه سائر البشر.

والدته دخلت في غيبوبة بعد صلاة الفجر، أدخلت للمستشفى، ومن فرط حب والده لها، ومن فرط تعلقه بهذه المرأة الفاضلة والمربية الأصيلة التي تشهد لها البحرين، تعب والده المعروف بأصالته وشهامته ونخوته ورجولته وأخلاقه الرفيعة، تعب لتعب رفيقة دربه، واختاره المولى عز وجل إلى جواره قبلها.

ذهبنا للمقبرة لنعزي صديقنا الغالي وإخوانه الكرام في فقد والدهم، الوالد الذي يُكسر أي رجل لفقده، فرأينا الصبر والقوة في عيون الثلاثة، رأينا تربية رجل كيف تنشئ رجالاً يؤمنون بقضاء الله وقدره، ولم ندرك بأنهما يومان فقط حتى يختار الله والدتهم إلى جواره، مرافقة لرفيق دربها زوجها في رحلة البرزخ ليجتمعا معاً عند رب كريم وفي جنة النعيم بإذن الله.

أحبهما الله، فلم يعرف أحدهما عن رحيل الآخر، رحل دون أن يعرف بأنها ستتبعه، ورحلت دون أن تعرف بأنه سبقها عند الله، رحمهما الله، رفيقا درب هزت قصتهما البحرين، وبأبنائهم الثلاثة عرف كثيرون كيف تكون التربية الصالحة، وكيف يكون صبر الرجال المؤمنين.

رحم الله الفاضل أحمد راشد الجبن وزوجته المربية الفاضلة آمنة محمد زمان، وأطال في أعمار أبنائهم راشد ومحمد وعمر، ومحمد بالتحديد صديقي الذي لم أعرف عنه طوال عقدين من الزمان سوى الرقي والأخلاق والشهامة والرجولة وعرفت مؤخراً صبره وجلده وقوة إيمانه.