هل كان الإسكندر المقدوني، يعرف، عندما أمر ببناء الإسكندرية، أي مدينة ستبنى من بعده، وأي راية حضارية سوف تكون، وأن أفلاطون سوف يترك أثينا ليمضي 13 عاماً في مناخ الإسكندرية العابق بالعلوم والحضارة، بل سوف تُعرف يومها بأنها منشأ العلوم والهندسة والفكر.
ما يهمنا من تلك الإسكندرية في هذه السلسلة أنها كانت مدينة كلوديوس بطليموس، أول من رسم خريطة لهذا الكون، وأول من ابتدع كلمة جغرافيا. ولولا علم الخرائط لظل العالم صغيراً. وقال الشاعر والأديب اليوناني الشهير نيكوس كازانتزاكيس، إن «المستكشفين وسعوا العالم».
لم يعرف الكثير عن حياة بطليموس. ولكي نعرف المزيد عنه يجب أن نتعرف إلى مكتبة الإسكندرية، أعظم مكتبة في التاريخ. منذ تأسيس المكتبة عام 330 ق.م، كان الهدف منها جمع مخطوطات العالم كلها في مكانٍ واحد، وكانت الظروف تتيح ذلك، خلافاً لعصرنا اليوم. إذ تصل المخطوطات إليها من أنحاء العالم، بحراً وبراً، كما كانت المزود الأول لورق البردي للقارة الأوروبية. وكانت المكتبة، شأنها شأن مدينة الإسكندرية، جزءاً من إرث الإسكندر المقدوني، الذي تتلمذ على يد أرسطو في الشعر والأخلاقيات والبيولوجيا والدراما والمنطق وغيرها، وأراد أن يكون الإرث الذي سيتركه رمزاً للتعليم بدل أن يكون ذكرى دمار، خصوصاً بعد المعارك التوسعية التي خاضها.
وبالفعل، بعد موت الإسكندر المقدوني في عام 323 ق.م بعدة عقود، اكتمل بناء المكتبة، وكانت فعلياً أول جامعة في العالم، مكاناً مخصصاً للبحوث والندوات العلمية. وجمعت علماء مثل أرخميدس عالِم الرياضيات. وكانت تقام فيها الندوات الفلسفية والأدبية والسياسية والإدارية، كما أن الباحثين فيها كانوا مسؤولين عن رسم أول خرائط العالم الشاملة.
ولكن، كيف كان يبدو العالم خارج الإسكندرية في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد؟ رغم إنجازات المكتبة الكبيرة في مجالات العلوم والرياضيات، كانت دراسات الجغرافيا فيها لا تزال في مراحلها البدائية. وكان علماؤها يحاولون بناء نماذج أولية لخرائط العالم، معتمدين بصورة أساسية على كتاب «تاريخ هيرودوتس»، الذي كان قد وضعه المؤرخ الإغريقي هيرودوتس قبل ما يقارب القرن ونصف القرن، وعلى كتاب الأوديسة لهوميروس، الذي صدر في القرن الثامن قبل الميلاد. ورغم قدمهما، كان هذان الكتابان مصدرين أساسيين للعلماء لأنهما كانا يقدمان الوصف الأدق، في حينها، لجغرافيا العالم الذي كان يعتبر في ذلك الوقت مدوراً، ولكن ليس كروياً. وبطبيعة الحال، كانت تلك المصادر تغفل عن العديد من البلدان والمناطق.
إلى اللقاء...
* كاتب وصحافيّ لبناني - نقلاً عن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية
{{ article.visit_count }}
ما يهمنا من تلك الإسكندرية في هذه السلسلة أنها كانت مدينة كلوديوس بطليموس، أول من رسم خريطة لهذا الكون، وأول من ابتدع كلمة جغرافيا. ولولا علم الخرائط لظل العالم صغيراً. وقال الشاعر والأديب اليوناني الشهير نيكوس كازانتزاكيس، إن «المستكشفين وسعوا العالم».
لم يعرف الكثير عن حياة بطليموس. ولكي نعرف المزيد عنه يجب أن نتعرف إلى مكتبة الإسكندرية، أعظم مكتبة في التاريخ. منذ تأسيس المكتبة عام 330 ق.م، كان الهدف منها جمع مخطوطات العالم كلها في مكانٍ واحد، وكانت الظروف تتيح ذلك، خلافاً لعصرنا اليوم. إذ تصل المخطوطات إليها من أنحاء العالم، بحراً وبراً، كما كانت المزود الأول لورق البردي للقارة الأوروبية. وكانت المكتبة، شأنها شأن مدينة الإسكندرية، جزءاً من إرث الإسكندر المقدوني، الذي تتلمذ على يد أرسطو في الشعر والأخلاقيات والبيولوجيا والدراما والمنطق وغيرها، وأراد أن يكون الإرث الذي سيتركه رمزاً للتعليم بدل أن يكون ذكرى دمار، خصوصاً بعد المعارك التوسعية التي خاضها.
وبالفعل، بعد موت الإسكندر المقدوني في عام 323 ق.م بعدة عقود، اكتمل بناء المكتبة، وكانت فعلياً أول جامعة في العالم، مكاناً مخصصاً للبحوث والندوات العلمية. وجمعت علماء مثل أرخميدس عالِم الرياضيات. وكانت تقام فيها الندوات الفلسفية والأدبية والسياسية والإدارية، كما أن الباحثين فيها كانوا مسؤولين عن رسم أول خرائط العالم الشاملة.
ولكن، كيف كان يبدو العالم خارج الإسكندرية في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد؟ رغم إنجازات المكتبة الكبيرة في مجالات العلوم والرياضيات، كانت دراسات الجغرافيا فيها لا تزال في مراحلها البدائية. وكان علماؤها يحاولون بناء نماذج أولية لخرائط العالم، معتمدين بصورة أساسية على كتاب «تاريخ هيرودوتس»، الذي كان قد وضعه المؤرخ الإغريقي هيرودوتس قبل ما يقارب القرن ونصف القرن، وعلى كتاب الأوديسة لهوميروس، الذي صدر في القرن الثامن قبل الميلاد. ورغم قدمهما، كان هذان الكتابان مصدرين أساسيين للعلماء لأنهما كانا يقدمان الوصف الأدق، في حينها، لجغرافيا العالم الذي كان يعتبر في ذلك الوقت مدوراً، ولكن ليس كروياً. وبطبيعة الحال، كانت تلك المصادر تغفل عن العديد من البلدان والمناطق.
إلى اللقاء...
* كاتب وصحافيّ لبناني - نقلاً عن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية