أننحني إلى هذه الأم التي تحملت مرور كل هذه السنين مع هذا العبء النفسي والبدني الثقيل المرهق المضني والذي تنوء منه الجبال؟أي مشقة وأي مكابدة وأي معاناة وأي إرهاق؟!هو تعب السنين الطويلة، ترى من انحني ظهره أكثر، الأم أم الابن؟!هذه الأم ذات الـ71 عاماً، من أين جاءت بكل هذا الصبر والجلد؟! وكيف تغلبت وتحملت صابرة صامدة راضية قسوة مرض الابن العضال عبر السنين؟!إن الألسنة لتعجز عن الكلام وإن الكلمات لتموت خجلاً قبل الوصف، لقد أبكتنا وهي صامدة، ونادت علينا من تحت كل الهموم، يا من تشكو من هم تخجل منه، الشكوى أمام هذه الأم المكابدة وأمام كل هذا الألم والمشقة؟!!أم ننحني لهذا الشاب الوديع الذي رضي وقبل وتقبل قدره وعاش عمره ووجهه بساقيه!!أم ننحني لذلك الفريق الطبي الخارق للعادة والذي عمل بشكل استثنائي وعلي رأسه هذا الجراح الذي لم يفقد الأمل ولم يهتز خوفاً مما سيقابل من مخاطر وتحديات، مع كل الصبر والأخذ بالحيطة والعمل الجماعي المتناغم.تحية احترام وتقدير لفريق التخدير ولا تكفيهم الكلمات، تحية احترام وتقدير لطاقم التمريض ومتخصصي العلاج الطبيعي والتأهيلي، تحية للإنسانية من العالم إلى الصين.الشاب هو «لي هوو»، عمره 28 عاماً، قضى منها السنوات الطوال وقبلة وجهه ساقيه!! ومنتهى نظره سنتيمترات قليلة تفصل عيناه عنهما!الأم «تانج دونج شين» التي بدأت رحلة العناء والسعي وراء أمل العلاج عندما كانت نفسها في الأربعين من عمرها حتي أصبحت الآن 71 عاماً، ولازالت بجانبه ولم تيأس بعد.ولعل ما أبكاني جملة ذكرتها بكل معاني الأمومة، يقف عندها الزمن، عندما قالت:ماذا لو مت وهو بمرضه هذا، من سيعتني به؟!!«لي هوو» تم تشخيص حالته بمرض «تصلب الفقرات الالتهابي»، عندما كان عمره 18 سنة، ولم يكن حال الأسرة بالميسور لتبدأ علاجه مبكراً، واستمر تدهور الحالة عبر السنين حتي وصل الحال إلى ذلك الوضع الصعب، الذقن للصدر، والصدر للحوض والوجه للساقين!!!وبدأت رحلة العلاج بمدينة «شنتشن» بجنوب غرب الصين منذ عام واحد تقريبا، خاض فيها لي وفريقه الطبي أربع جراحات من أصعب ما تكون، أقلها وأصعبها في نفس الوقت كانت البداية بالتخدير في هذا الوضع غير المألوف لوضع أنبوب بالقصبة الهوائية كي تحمل الأكسحين إلى الرئتين أثناء الجراحة، ثم خطورة وضع الفقرات المنحنية مع ما قد تسببه من ضغط علي القلب والرئتين داخل القفص الصدري وضغطاً علي الحبل الشوكي.دكتور «تاو هيورين» أخذ من الوقت ما يكفي ليخطط لـ4 جراحات مرحلية لفك وإعادة تثبيت العمود الفقري والحوض.. ولعله كما ذكر في سياق حديثه، الجراحة شيء أصعب من تسلق جبل إفرست، والمخاطر عديدة،، منها وبنسبة ليست قليلة شلل أو وفاة، وقد يفشل في وضع مسامير التثبيت في وجود هشاشة عظام متقدمة وهي مصاحبة للحالة بكل تأكيد.كانت أول مرحلة هي كسر وإعادة تثبيت عظام الفخذين لخلق فراغ أمام الوجه استعداداً للجراحات الثلاث التالية.ثم جاءت الثانية لتعديل الفقرات العنقية، ثم الثالثة للفقرات القطنية والظهرية. وأخيراً الرابعة لمفصلي الفخذين لمنحه حرية الحركة علي الرغم من وجود قصر بالعضلات نتيجة وضع الانحناء المزمن.وتنجح الجراحة، ويقف «لي» على ساقيه لأول مرة منذ 20 عاماً مرتفع الرأس، وليستطيع الاستلقاء علي ظهره بعد سنوات لتلاقي عيناه قبل الأفق وجه الأم الرؤوم.هي قصة نجاح طبي غير مسبوق، وقصة حب بعطف أم ممتد عبر السنين.. هي قصة الإنسانية.* استشاري جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري