تكاثرت في الآونة الأخيرة الأخبار النازلة من الفضاء أو الذاهبة إلى ما أبعد منه. نبأ يقول إن وزارة الدفاع الأمريكية تأخذ على محمل الجد وجود مخلوقات فضائية. وآخر يفيد بأن إحدى الوكالات تنظم رحلات «سياحية» إلى خارج الأرض. والمثير أن معظم الأخبار التي كانت في الماضي من صنع الخيال أصبحت في نطاق الاحتمال. وفي القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة وراء قصص المخلوقات الفضائية ورسومها الكاريكاتورية، من أجل إلهاء الناس عن المزاج العام المتردي بعد الحرب العالمية الثانية. ولم تكن مجلة، أو جريدة، تخلو من خبر أو صورة عن تحركات أبناء عمومتنا الساكنين الكواكب السيارة. وطاب للعقول أن تصدق، أو على الأقل، أن تتقبل فكرة وجود كائن آخر. أو حياة أخرى. ومنذ سنوات بدأت العربات المسافرة إلى المريخ في البحث عن المياه على سطحه؛ لأنها الدليل الحاسم على وجود حياة، عملاً بالآية الكريمة «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ».
لا البحث توقف ولا المخيلة. كم هو عجيب هذا المخلوق الذي ضاقت به الأرض فأخذ يطلب ما بعدها. وقد بدأ الروس الرحلات الفضائية في الخمسينات وهم لا يزالون يستوردون القمح. ولحق بهم الأمريكيون سريعاً خوفاً من أن يرموا عليهم القنابل من فوق. وتحول السباق إلى الفضاء إلى «رالي» جوّي مثير. وازدحم الفضاء بالأقمار الصناعية التي تصور كل حركة في مدن هذا العالم، وتحوّلها إلى براهين وإثباتات في المحاكم. وقد طلب المحقق العدلي في انفجار بيروت، الصور من سبع دول، تحلق أقمارها فوق لبنان طوال الليل والنهار، تلتقط الصورة وتسجل المكالمات، وتتستر على الخيانات الزوجية.
يتبرم الإنسان بعالمه الصغير. لا البحار ولا المحيطات ولا الجبال ولا صحاري الجليد تتسع لطموحه. كلما هبط من رحلة راح يستعد لرحلة أخرى. ليس فقط من قبيل الطموح، بل أيضاً من عقدة الخوف. الخوف من أن يؤدّي عبثه بهذا الكوكب إلى الانفجار. وهو منذ زمن مهدد بالانفجار، إما بالتلوث أو بالسكان أو بالحروب أو بالخلل المناخي. لا يمكن أبداً الاطمئنان إلى الكائن البشري. إنه نزق على نحو خطير، خلافاً لسائر مخلوقات الله. لديه شعور دائم بعدم الاكتفاء مما لديه. إيلون ماسك، رائد السيارة الكهربائية، يعد للسفر إلى الفضاء هو أيضاً. فالآن وقد أصبح أغنى رجال الأرض، لم يعد هناك ما يثير اهتمامه بين ظهرانينا، كما تقول العرب. لم يحدد وجهة الرحلة بعد. ربما القمر وربما المريخ، وسوف يعود محملاً بالهدايا: بحص «حصى» ورمل وحجارة تعرض في واجهات زجاجية. ووسام الملل الأكبر.
* كاتب وصحافيّ لبناني - نقلا عن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية
لا البحث توقف ولا المخيلة. كم هو عجيب هذا المخلوق الذي ضاقت به الأرض فأخذ يطلب ما بعدها. وقد بدأ الروس الرحلات الفضائية في الخمسينات وهم لا يزالون يستوردون القمح. ولحق بهم الأمريكيون سريعاً خوفاً من أن يرموا عليهم القنابل من فوق. وتحول السباق إلى الفضاء إلى «رالي» جوّي مثير. وازدحم الفضاء بالأقمار الصناعية التي تصور كل حركة في مدن هذا العالم، وتحوّلها إلى براهين وإثباتات في المحاكم. وقد طلب المحقق العدلي في انفجار بيروت، الصور من سبع دول، تحلق أقمارها فوق لبنان طوال الليل والنهار، تلتقط الصورة وتسجل المكالمات، وتتستر على الخيانات الزوجية.
يتبرم الإنسان بعالمه الصغير. لا البحار ولا المحيطات ولا الجبال ولا صحاري الجليد تتسع لطموحه. كلما هبط من رحلة راح يستعد لرحلة أخرى. ليس فقط من قبيل الطموح، بل أيضاً من عقدة الخوف. الخوف من أن يؤدّي عبثه بهذا الكوكب إلى الانفجار. وهو منذ زمن مهدد بالانفجار، إما بالتلوث أو بالسكان أو بالحروب أو بالخلل المناخي. لا يمكن أبداً الاطمئنان إلى الكائن البشري. إنه نزق على نحو خطير، خلافاً لسائر مخلوقات الله. لديه شعور دائم بعدم الاكتفاء مما لديه. إيلون ماسك، رائد السيارة الكهربائية، يعد للسفر إلى الفضاء هو أيضاً. فالآن وقد أصبح أغنى رجال الأرض، لم يعد هناك ما يثير اهتمامه بين ظهرانينا، كما تقول العرب. لم يحدد وجهة الرحلة بعد. ربما القمر وربما المريخ، وسوف يعود محملاً بالهدايا: بحص «حصى» ورمل وحجارة تعرض في واجهات زجاجية. ووسام الملل الأكبر.
* كاتب وصحافيّ لبناني - نقلا عن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية