قال الصديق ونحن في خضم نقاش حول ما جرى وما يجري في بعض حياتنا العربية: أراك منزعجاً من انتشار ما تسميه الهراء من الماء إلى الماء، إلا أنك لا تبدي نفس القدر من الانزعاج من أوجه الانحطاط الأخرى في حياتنا العربية، وما يعتريها من توحش وخراب وفساد؟
قلت: من المؤكد أن الموقف من انحطاط حياتنا العربية في بعض أوجهها لا يرتبط، ولا يجب أن يرتبط، بمجرد إبداء الانزعاج، لأن الأمر يتعلق بالهم الساكن في العقل وفي الوجدان ننام به ونستيقظ وهو معنا، نخباً ومجتمعاً. ولذلك لا نتوقف عن الخوض فيه، مهما ساءت الأوضاع. أما انتشار هذا النوع من الهراء المستفز وتحوله إلى ثقافة طيّارة تنتشر مع ثاني أوكسيد الكربون فتزكم الأنوف، فهو أمر لا يثير الانزعاج أو الاستياء فحسب، وإنما يثير الحنق أيضاً، لما فيه من ازدراء لإنسانيتنا، وتسميم لأرواحنا. والمشكل أن هذا الهراء المجاني صادر في الغالب عن كائنات هبائية طفيلية لا وزن لها، تتصاعد أصواتها وتنتشر صورها، بالتزامن مع تفشي الأوبئة النفسية. وهي كائنات تعاني من الهوس المجاني بالحط من قيمة الذات، والتنكر للحقائق والنكوص عن الثوابت. وهو نوع من الهوس لا نكاد نستوعبه، لما يفاجئنا به من فجاجة، ولما يبشر به من أفكار خشبية، لا تستقيم مع حقائق التاريخ ولا مع حقائق الواقع على الأرض. ولكن المفرح -رغم سوء الحال- هو أن منظري هذا الهراء ومسوقيه، هم على هذه الدرجة الكبيرة من الضحالة في الفكر والرؤية، وانعدام الحكمة وقصر الذاكرة، مع الاستعداد الدائم لترك كل أمر مشرف بعيداً عن متناولهم. ولذلك فإن هذه النقطة تحديداً – وبقدر ما تثير من الحنق – يجب أن تكون محل السرور، لأنها تعطي الأمل في حتمية زوال الإنجازات الهرائية لهذا الطابور الوبائي، لأن الهباء يذهب جفاء، وينتهي إلى الاضمحلال والتحلل بإذن الله.
قال الصديق: إن أسوأ ما في هذا الهراء الذي يتبدى كل يوم في صور وكلمات وأغانٍ وحتى في قصائد هرائية، أنه يلعب على جراحنا عندما يحاول إقناعنا بالهزيمة وبالقصور المزمن. لكنه سوف يبقى خارج نهر حياتنا المتدفق، لأنه لا مكان له بيننا. فضحالة هذه الخطابات وهذه الصور المنقولة مع ابتسامات مزيفة، هي مجرد هباء لا تأثير له في حياتنا، ولا مكان له في الأمل القادم، مهما ساءت أوضاعنا.
* همس:
«علينا ألا نضيع الوقت في ثرثرات عقيمة أو في لغو يبعث على الاشمئزاز، لأن الإنسان الجدير بأن يُصغى إليه، هو الذي لا يستخدم الكلام إلا من أجل التفكير، ولا يستخدم التفكير إلاّ من أجل الحقيقة والفضيلة. أما الذين يستخدمون اللغة للإساءة وإشعال الحرائق، فإنهم سيظلون جزءاً من آلة الشر»، «المفكر فرانز فانون».
{{ article.visit_count }}
قلت: من المؤكد أن الموقف من انحطاط حياتنا العربية في بعض أوجهها لا يرتبط، ولا يجب أن يرتبط، بمجرد إبداء الانزعاج، لأن الأمر يتعلق بالهم الساكن في العقل وفي الوجدان ننام به ونستيقظ وهو معنا، نخباً ومجتمعاً. ولذلك لا نتوقف عن الخوض فيه، مهما ساءت الأوضاع. أما انتشار هذا النوع من الهراء المستفز وتحوله إلى ثقافة طيّارة تنتشر مع ثاني أوكسيد الكربون فتزكم الأنوف، فهو أمر لا يثير الانزعاج أو الاستياء فحسب، وإنما يثير الحنق أيضاً، لما فيه من ازدراء لإنسانيتنا، وتسميم لأرواحنا. والمشكل أن هذا الهراء المجاني صادر في الغالب عن كائنات هبائية طفيلية لا وزن لها، تتصاعد أصواتها وتنتشر صورها، بالتزامن مع تفشي الأوبئة النفسية. وهي كائنات تعاني من الهوس المجاني بالحط من قيمة الذات، والتنكر للحقائق والنكوص عن الثوابت. وهو نوع من الهوس لا نكاد نستوعبه، لما يفاجئنا به من فجاجة، ولما يبشر به من أفكار خشبية، لا تستقيم مع حقائق التاريخ ولا مع حقائق الواقع على الأرض. ولكن المفرح -رغم سوء الحال- هو أن منظري هذا الهراء ومسوقيه، هم على هذه الدرجة الكبيرة من الضحالة في الفكر والرؤية، وانعدام الحكمة وقصر الذاكرة، مع الاستعداد الدائم لترك كل أمر مشرف بعيداً عن متناولهم. ولذلك فإن هذه النقطة تحديداً – وبقدر ما تثير من الحنق – يجب أن تكون محل السرور، لأنها تعطي الأمل في حتمية زوال الإنجازات الهرائية لهذا الطابور الوبائي، لأن الهباء يذهب جفاء، وينتهي إلى الاضمحلال والتحلل بإذن الله.
قال الصديق: إن أسوأ ما في هذا الهراء الذي يتبدى كل يوم في صور وكلمات وأغانٍ وحتى في قصائد هرائية، أنه يلعب على جراحنا عندما يحاول إقناعنا بالهزيمة وبالقصور المزمن. لكنه سوف يبقى خارج نهر حياتنا المتدفق، لأنه لا مكان له بيننا. فضحالة هذه الخطابات وهذه الصور المنقولة مع ابتسامات مزيفة، هي مجرد هباء لا تأثير له في حياتنا، ولا مكان له في الأمل القادم، مهما ساءت أوضاعنا.
* همس:
«علينا ألا نضيع الوقت في ثرثرات عقيمة أو في لغو يبعث على الاشمئزاز، لأن الإنسان الجدير بأن يُصغى إليه، هو الذي لا يستخدم الكلام إلا من أجل التفكير، ولا يستخدم التفكير إلاّ من أجل الحقيقة والفضيلة. أما الذين يستخدمون اللغة للإساءة وإشعال الحرائق، فإنهم سيظلون جزءاً من آلة الشر»، «المفكر فرانز فانون».