قبل عقود من كنا نتفاخر بمقدار العلم الذي يمكن للمرء أن يحصّله، وبمقدار الوعي الفكري الذي يمكن أن يمتلكه، ومدى القدرة على الإبداع في مختلف المجالات، وبمدى تمسكه بالقيم، إلى آخر تلك القائمة التي نتفاخر بها أمام أبناء الجيل الجديد، فلا يستمعون إلينا، وإذا ما استمعوا كان ذلك على مضض شديد.
في ذلك الزمن الذي غالباً ما نصفه بكونه جميلاً -مع أنه لم يكن دائماً كذلك- كانت تأخذنا الأحلام بعيداً عن الدعاية والمغريات المادية، فكنا نخجل من التصريح بأي تطلع «مادي» متجاوز لنطاق الحاجات المقدور عليها. فكانت الأحلام على قدر الكساء، في ضوء الزهد المادي والنهم المعرفي الذي درج عليه أغلب أبناء جيلي.
كان ذلك ترجمة لقيم استقرت ورؤى وأحلام بعالم تسوده العدالة والمحبة والسلام والتضحية، بلا حروب، وبلا أمراض وبلا مجاعات، ويختفي فيه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، عالم كانت فيه القصائد والأغاني تتحدث عن التضحية في سبيل الوطن، وعن الحرية للإنسان، أما اليوم، فهنالك قسم من الأبناء، متجهون نحو قيم الاستهلاك الفج من دون إنتاج، يريدون الأخذ من دون عطاء، أو بعطاء محدود، ويستجيبون بصعوبة بالغة لبواعث العمل المنتج وقيم التضحية.
إن الظروف القديمة أسهمت في اندفاع جيلنا نحو البحث والعلم والأدب والفكر. فالتلفاز لم تكن له سطوة اليوم، والفضائيات لم تكن قد ظهرت للوجود، ولا الإنترنت. والآباء كانوا يصرون على حقوقهم كاملة على الأبناء. فظلوا يقاومون ضعف الإنسان فيهم، حتى لا يعطون أبناءهم ذرائع على سلطانهم قوياً فعالاً. أما اليوم فقد تبدّلت الأحوال، وتكالبت عوامل الزمن الجديد، ضد جيل الأبناء فما عاد جهد اليوم في السعي من أجل الرزق، يفي بحاجات الأبدان. إلا في حالات حسنة الحظ، وأصبحت رواية الشعر والنثر ورياضة الذهن وتنمية المواهب بالكتاب، وإثراء الوجدان وسياسة الأذواق وتثقيفها بالفنون والآداب قلية الجذب والتأثير. وتعلم الأبناء من قوى التحالف الجديدة احتقار القيم الموروثة أو معظمها، وأدرك الآباء أن السقوف تداعت وأن الرياح قد هبت، ضد أشرعتهم فتناسوا الثوابت التي عاشوا عليها دهراً. وأصبح لكل شيء أكثر من ترجمة، واختلفت معاني الرذيلة والفضيلة، والفن الراقي أصبح يدفع ابني إلى التضجر والتثاؤب والسخرية. سوف يقول البعض: إنه قانون الحياة، من يقاومه ينكسر وتسحقه الأقدام العجلى من غير أن يلتفت إليه أحد. وهل نحن بدع من الناس؟
يجيب كتاب التطور بالنفي، لأن للمسيرات خرائط سير، تختلف باختلاف الأزمان والأمكنة، وقد يكون الذّكي هو من يجاري الزّمان. وقد قيل: إنّ الديناصورات انقرضت، لأنها عجزت-لبلادتها-عن معرفة الخرائط المتجددة ولم تستوعب الحكمة الدراماتيكية: «الرزق يحب الخفية»!!
* همس:
في مركب بلا أشرعة
أنتظر لحظة الغرق
متكئاً على عصا الدهشة
وحيداً.
في ذلك الزمن الذي غالباً ما نصفه بكونه جميلاً -مع أنه لم يكن دائماً كذلك- كانت تأخذنا الأحلام بعيداً عن الدعاية والمغريات المادية، فكنا نخجل من التصريح بأي تطلع «مادي» متجاوز لنطاق الحاجات المقدور عليها. فكانت الأحلام على قدر الكساء، في ضوء الزهد المادي والنهم المعرفي الذي درج عليه أغلب أبناء جيلي.
كان ذلك ترجمة لقيم استقرت ورؤى وأحلام بعالم تسوده العدالة والمحبة والسلام والتضحية، بلا حروب، وبلا أمراض وبلا مجاعات، ويختفي فيه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، عالم كانت فيه القصائد والأغاني تتحدث عن التضحية في سبيل الوطن، وعن الحرية للإنسان، أما اليوم، فهنالك قسم من الأبناء، متجهون نحو قيم الاستهلاك الفج من دون إنتاج، يريدون الأخذ من دون عطاء، أو بعطاء محدود، ويستجيبون بصعوبة بالغة لبواعث العمل المنتج وقيم التضحية.
إن الظروف القديمة أسهمت في اندفاع جيلنا نحو البحث والعلم والأدب والفكر. فالتلفاز لم تكن له سطوة اليوم، والفضائيات لم تكن قد ظهرت للوجود، ولا الإنترنت. والآباء كانوا يصرون على حقوقهم كاملة على الأبناء. فظلوا يقاومون ضعف الإنسان فيهم، حتى لا يعطون أبناءهم ذرائع على سلطانهم قوياً فعالاً. أما اليوم فقد تبدّلت الأحوال، وتكالبت عوامل الزمن الجديد، ضد جيل الأبناء فما عاد جهد اليوم في السعي من أجل الرزق، يفي بحاجات الأبدان. إلا في حالات حسنة الحظ، وأصبحت رواية الشعر والنثر ورياضة الذهن وتنمية المواهب بالكتاب، وإثراء الوجدان وسياسة الأذواق وتثقيفها بالفنون والآداب قلية الجذب والتأثير. وتعلم الأبناء من قوى التحالف الجديدة احتقار القيم الموروثة أو معظمها، وأدرك الآباء أن السقوف تداعت وأن الرياح قد هبت، ضد أشرعتهم فتناسوا الثوابت التي عاشوا عليها دهراً. وأصبح لكل شيء أكثر من ترجمة، واختلفت معاني الرذيلة والفضيلة، والفن الراقي أصبح يدفع ابني إلى التضجر والتثاؤب والسخرية. سوف يقول البعض: إنه قانون الحياة، من يقاومه ينكسر وتسحقه الأقدام العجلى من غير أن يلتفت إليه أحد. وهل نحن بدع من الناس؟
يجيب كتاب التطور بالنفي، لأن للمسيرات خرائط سير، تختلف باختلاف الأزمان والأمكنة، وقد يكون الذّكي هو من يجاري الزّمان. وقد قيل: إنّ الديناصورات انقرضت، لأنها عجزت-لبلادتها-عن معرفة الخرائط المتجددة ولم تستوعب الحكمة الدراماتيكية: «الرزق يحب الخفية»!!
* همس:
في مركب بلا أشرعة
أنتظر لحظة الغرق
متكئاً على عصا الدهشة
وحيداً.