من الغريب أن نرى هذا الكم الكبير من الإداريين الأجانب في قطاعات كان البحريني هو من يديرها إلى سنوات قريبة، ومؤسف أن نرى بحرينيين يتولون مناصب خارج دولهم ويحل محلهم أجنبي، البحرين كانت -كعادتها- السباقة في تأهيل القيادات البحرينية، ومع الأسف كما في حالات كثيرة -تراجع- موقعنا وسبقنا الآخرين، فنرى تراجع عدد القيادات البحرينية في قطاعات كبيرة كالمصرفية والفندقية والصناعية، وفي دول أخرى نرى تصاعداً في عدد القيادات الوطنية.

تصنيف أو طبيعة «التعيينات» التي تقوم بها القيادة للمراكز القيادية في السلطة التنفيذية أو في مجالس الإدارة للشركات التي للدولة حصة فيها تعتبر «توجيهاً» غير مباشر، و«رسائل» يتلقفها أصحاب المؤسسات والشركات في القطاع الخاص ومن المفروض أن تكون كذلك حتى للشركات التي للدولة حصة فيها لترسم لهم خارطة طريق حول توجه الدولة وسياستها. فإن عينت الدولة شباباً في مقتبل العمر في مراكز قيادية في الحكومة فإن القائمين على القطاعات الخاصة سيعتبرون أن الدولة لديها ثقة في الشباب وسيحرصون على استقطاب الشباب البحريني وتأهيله للإدارة، التعيينات العليا هي المؤشر وبوصلة التوجيه لبقية المراكز الإدارية، من خلالها يعرفون أين هو اتجاههم، فإن رأوا أن التوجه القيادي للدولة لإعطاء الفرص للشباب فعلوا ذلك، إن رأوا أن التوجه لإعطاء الفرصة للمرأة تبعوا ذلك، إن رأوا أن التوجه إلى بحرنة الصفوف الأولى في الشركات والبنوك هم أيضاً فعلوا ذلك في خلق الصفوف الثانية، إنما إن رأوا العكس فإنهم سيقتدون بهذا العكس!!

برنامج ولي العهد حفظه الله للقيادات العليا رسالة لبقية القطاعات أن تبدأ هي الأخرى بالإعداد للقيادات البحرينية، ورسالة للوزارات أيضاً أن تعمل على إعداد الصف الثاني من القيادات البحرينية، ورسالة للشركات التي للبحرين حصه فيها أو تمتلكها بالكامل أنه مثلما بدأت الإدارة الحكومية تزخر بالقيادات الشبابية فإننا ننتظر مثل هذا التوجه لتلك القطاعات كذلك.

من أهم عناصر تمكين الشباب البحريني أو المرأة البحرينية أو بحرنة الصفوف القيادية، هي تلك الرسائل التي ترسلها القيادة العليا بتعيينها البحرينيين وثقتها بتوليهم مسؤولية مراكز عليا في الإدارة، في الشركات الكبرى، في البنوك التي تملك الحكومة حصتها فيه، في تعينات مديري الموارد البشرية حينها سيتبع الآخرون هذه السياسة.

فاليوم حين يشيد سمو ولي العهد بالكادر الطبي في البحرين ويؤكد أن بحرينيين هم من حمل على عاتقه مهمة رسم وتنفيذ إستراتيجياتنا الصحية، فإنه يؤكد أن شباب البحرين من نساء ورجال من عمق هذه الأرض وملحها وترابها هم من حمل على عاتقه عبء ومسؤولية خروج البحرين من هذه الجائحة، وتلك مهمة تحتاج إلى درجات علمية وتحتاج إلى حسن إدارة وتحتاج إلى مهارات إدارة الأزمات، وها نحن نرى إمكانيات البحريني فيها مشرفة وترفع الرأس.

لتعدْ بنا الذاكرة إلى مثلهم من بحرينيين حملوا على عاتقهم تأسيس بنية الصناعة البحرينية منذ الثلاثينيات إلى اليوم، بحرينيون في بابكو وألبا وبتروكيماويات وبناغاز أرسوا هذه الصناعات وأداروها وشغلوها.

وكذلك مثلهم في القطاع المصرفي؛ بحرينيون هم من أحدث الطفرة في الصناعة المالية في الثمانينيات ونقلوا عبء هذا القطاع من بيروت إلى البحرين ونقلوا الثقل إلى البحرين فأصبحت مركزاً مالياً مهماً، هم من أداروا البنوك في عز تلك الطفرة مديرين ورؤوساء وموظفين بحرينيين.

بحرينيون هم من أداروا قطاع الطيران مديرين بطواقمهم الإدارية وبسكرتاريتهم وكباتن الطيارات وحتى المضيفين.

البحريني راغب في التعلم وليس عنده مانع من أن يعمل في أي قطاع مدخوله مجدٍ، وإن منحته الفرصة والتدريب المناسب سيحمل القطاع على عاتقه، من رإسه كإدارة إلى أصغر موظف أو عامل فيه، لذا فإنه من المحزن أن نرى تقلص عدد المديرين البحرينيين وزيادة عدد الأجانب في الشركات والبنوك، لا بد من أن تكون لدينا ثقة في أبنائنا.

اقتدوا ببرنامج ولي العهد لتأهيل القيادات وعلى الدولة أن تمنحهم كوزارات وكشركات وكبنوك مهلة زمنية لا تزيد عن خمس سنوات لتوطين الخبرة القيادية في البحرين، لا بتجنيس المديرين الأجانب، إنما بتأهيل البحرينيين منهم.