نأمل أن يتعلم أي «أخواني» مما حدث في تونس، إن لم يتعلم مما حدث في مصر، نأمل أن يتعلم أي جهاز استخباراتي أجنبي تحالف مع هذه الجماعة أن الشعوب العربية لفظتها وطردتها، وأن قبولهم في الشارع العربي انتهى، وأن تجربتهم في الحكم فاشلة، وأن تحالفهم مع إيران وانصياعهم لحزب العدالة التركي ولأردوغان تحديداً أخطاء قضت عليهم تماماً في الشارع العربي.
ما حدث في تونس أسدل الستار على آخر وأهم وأقوى معاقلهم في الشمال الأفريقي، إذ إن الأفرع الأخيرة مقيدة جداً بما فيها الفرع المغربي، لقد أسدل قيس بن سعيد الستارة على الفصل الأخير من مسرحية الربيع العربي، وخرج التوانسة في الشوارع ليحتفلوا بزوال الغمة.
تونس خرجت للشارع منذ أسبوع بسبب تردي الأوضاع على كل صعيد ارتفاع نسبة البطالة مع انهيار المنظومة الصحية مع تضخم الأسعار مع شعور بالاختناق نتيجة تنامي نفوذ الأخوان وسيطرتهم على مفاصل الدولة، أنزل الشارع احتجاجاً وبدأت الأحداث تتطور بسرعة حتى أصبح السلم والأمن مهددين، مما اضطر الرئيس التونسي أن يستخدم صلاحياته الدستورية منعاً لانهيار الدولة الذي بات قاب قوسين أو أدنى إن استمرت الأوضاع على ما هي أو تصاعدت كما كان يبدو في الأفق، فجمد البرلمان وسحب حصانة النواب وصلاحياتهم وأقال الحكومة وترأسها إلى أن يعين رئيساً لها وترأس النيابة كشعبة قضائية والتي كانت مختطفة من الأخوان ومنحتهم الحصانة في السنوات الأخيرة.
هم يسمونه الآن انقلاباً وكذلك تفعل قناة الجزيرة كعادتها في نصرة مشروع إسقاط الدولة، هم يقولون إن هذا حكم ديكتاتوري وضع جميع السلطات في يده، ولا يرون أن حزبهم أي الأخوان المسلمين في تونس كانوا يحتكرون جميع السلطات في يدهم، السلطات التنفيذية والبرلمانية وحتى القضائية كان لهم تدخل وباع فيها، ويحكمهم فرد واحد وهو الغنوشي، ولأنهم لم يتعلموا من أخطائهم أو أخطاء من سبقهم وهذه عادة أخوانية متأصلة في كل تفرعاتهم، فلم يروا سلوكهم خطأً لأنهم يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى يسير خطاهم وهو من يوجهها، فلا مراجعة ولا تقييم ولا استماع لصوت الناس وكل من يعاديهم يعادي الله إلخ لذلك حدث ما توقعه الجميع وإن تأخر عشر سنوات. تكرر سيناريو 30 يونيو المصري بالحرف، ثار الشعب عليهم واضطر الرئيس والجيش أن يقفا إلى جانب الإرادة الشعبية.
إسقاط الدولة بهيكليتها بجيشها بأمنها بمنظومتها بمؤسساتها بقانونها كان مشروعاً أخوانياً بجدارة تمهيداً لإسقاط السيادة والحدود ولعودة الحكم الخلافي المركزي، هكذا تعامل أخوان مصر مع «الدولة» المصرية، وهكذا تعامل أخوان تونس مع «الدولة» التونسية الاثنان سعيا لهدمها بدءاً بعدم الاعتراف بسيادتها الوطنية، كسروا الإطار حتى تسقط الصورة، الغنوشي كان لا يعترف بالدستور والآن يتباكى عليه، كان يتجاوزه ويتجاوز صلاحياته والآن يقول إن ما حدث تجاوز للدستور.
وقد يتساءل أحد ماذا سيحدث في تونس الآن؟ هل سيستسلمون ويقتنعون بالواقع بأن الشعب لفظهم؟ الإجابة لا فلو كانوا ممن يتعلم من أخطائه لما وصلوا إلى نتائج توقعها الآخرون وهم ينكرونها.
سيلجؤون للإرهاب، سيقسطون قناعهم، سيبحثون لهم عن مأوى -غير تركيا- ستظل الجزيرة تساندهم والنظام القطري يمولهم، لن يتعلموا من أخطاء الأخوان المصريين ولن يدركوا أن الحال ليس كما كان قبل عشر سنوات وأن البيئة الحاضنة لهم سواء المحلية أو حتى الدولية تغيرت وجرت مياه تحت جسورها.
نعم سيحاولون أن يكرروا حرفياً سيناريو تمت تجربته، سيبحثون عن «رابعة» تونسي سيستبيحون دماء الشعب التونسي، ستظهر خيانات بعض رجال الأمن والجيش، سينصبون الكمائن لنقاط الحراسة الأمنية، سيستخدمون الحدود الليبية والجزائرية لشن هجمات على جيشهم الوطني، ستساعدهم أجهزة استخبار أجنبية إلى فترة إلى أن يتأكدوا أنه لا فائدة، فيتركونهم ويتخلون عنهم، ستمولهم قطر إلى حين ثم بعد حين ستهرول لخيارات الشعب التونسي كما تفعل الآن مع مصر، الشاهد سنرى الجزء الثاني من سقوط الأخوان المصري بنسخة تونسية هذه المرة، إنما سقوط أخوان تونس بعد سقوط أخوان مصر أنهى حلم البنا تماماً وأتباعه يعيشيون كابوسهم الحقيقي الآن، فلا جزء ثالث بعد تونس.