تلبية للدعوة الإيرانية التي أطلقت من قم للخروج في مسيرات اعتراضاً على الاتفاقية البحرينية الإسرائيلية خرجت أعداد لا تصل إلى الخمسين شخصاً، دعك من شعار الدعوة، وقف عند تأثير الداعي على المدعويين.
مثل هذه الدعوة من قبل القيادات الدينية قبل عشرة أعوام كانت تخرج عشرات الآلاف للشارع إن لم يكن مئاتها، أتذكرون حين أمروا أتباعهم من النساء للخروج في مسيرة اعتراضاً على قانون الأحوال الشخصية الذي وضع لإنصافهنّ، فخرجت عشرات الآلاف من السيدات، وحين أمروا أتباعهم بعدم التوقف عن المسيرات والاستمرار باستخدام ورقة الشارع، فشهدت البحرين على مدى عشر سنوات معدل مسيرات في السنة تجاوز المائتي مسيرة، ويصل أحيانا إلى 300 مسيرة.
تمثل حالة النكوص والانقراض في أعداد التابعين للخطاب الديني السياسي في البحرين نموذجاً صارخاً لفشل قيادات تلك الجماعات من استيعاب فكرة الدولة، ومغزى الوصول للسلطة، فإضاعة فرص ثمينة منحت لها كي تنخرط في إدارتها، ولكنها فضلت الاستمرار في صراعها معها وإشغال الجماعة بهذا الصراع، وجاءت هذه النتيجة التي توضح أنهم انفضوا من حولك.
فارق العدد اليوم يلخص بحد ذاته حكاية تجربة تعاطي الجماعات الدينية في دولة صغيرة كمملكة البحرين مع «الديمقراطية»، أرادت هذه الدولة النامية أن تكون مثالاً متقدماً في المنطقة للانفتاح والمشاركة الشعبية وفسح المجال للمناخ الحر في التعبير قولاً وتجمعاً وتشكيلاً للأحزاب السياسية، فكل الفرص والمقومات لنجاح التجربة بدت متوفرة.
شعب مثقف، نسبة الأمية فيه تكاد تكون معدومة، ذو تجربة نضالية مع الاستعمار، عمق حضاري يمتد إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، ومطالب مستمرة لم تتوقف بتبني الديمقراطية الغربية باعتبارها الحل الأمثل للقضايا المعيشية.
حين شاركت كتلتهم الانتخابية في الانتخابات فازت قائمتهم كاملة بفتوى من قيادتها الدينية، التي استفادت من مميزات الدستور البحريني وقوانينها التي أجازت التجمعات وحرية المسيرات بقانون ينظمها له عدة محظورات طبيعية كمنعها ليلاً والابتعاد على المرافق الحيوية كالمطار والمستشفيات وبإعطاء إخطار للجهات الأمنية فلا يحتاجون ترخيصاً! تخيل إلى أي درجة التجربة متقدمة، إنما استغلت الجماعات الدينية هذا الانفتاح واستغلت هذه المساحة من الحرية لتعطيل الحركة التجارية وشل الحركة الاقتصادية، فالانشغال كان بالصراع مع الدولة لا بإدارتها.
خطبهم الدينية كانت تقسم الشارع البحريني إلى فسطاطين على حد قولهم إما أن تكون مع الحسين أو ضده، ومظلتهم التي احتموا بها لهذا الفصل كانت «حرية التعبير» المكفولة دستورياً.
بفتواهم الدينية الصرفة تشكل أول الأحزاب السياسية في البحرين، تشكيلاً قائماً على التبعية الدينية فكان أول حزب سياسي مبني على أسس دينية صرفة، لا يسمح لمنتميه أن يكون شيعياً فحسب، بل منع من الانضمام له الشيعة الذين يقلدون مراجع دينية شيعية غير خامنئي، فكان فصلاً عنصرياً ماتت على إثره أهم مقومات الديمقراطية.
منعوا وصول المرأة في حزبهم إلى مناصب قيادية وحرضوها على رفض تقنين أحوالها الشخصية، واستخدموها صوتاً انتخابياً لوصول قائمتهم «الإيمانية» الذكورية فكانت أداة لصالح الذكور ومقيدة من التعبير والتحرك إلا بما يخدم أجندتهم الدينية.
حركوا الشارع مع كل مناسبة إيرانية، أو دعوة إيرانية، أو مصلحة إيرانية، مستغلين الأدوات الديمقراطية التي أتاحها الدستور البحريني.
منعوا التنسيق مع الأحزاب المدنية التي شاركتهم «النضال» على حد تعبيرهم بحجة حرمة ذلك دينياً وأطلقوا فتواهم الشهيرة منع «التمكين».
باختصار جردوا الديمقراطية من كل مقوماتها إلى أن وقعت الطامة الكبرى عام 2011 فأفتوا بدهس رجال الأمن، وحدث ما حدث من فوضى وخراب وعنف.
الغريب أنه حظوا بدعم غربي وأمريكي تحديداً فكانت وفود السفارات تحج لهم، تعزيزاً لمركزهم بشكل لافت للنظر وملحوظ، وكما فعلت السفارة الامريكية في مصر مع قيادات «رابعة» فعلت معهم بذات النهج والسياسة الأمريكية التي دعمت الجماعات الدينية السنية منها والشيعية، فكانوا يخاطبونهم كدولة داخل دولة دون اعتبار للسيادة وللدستور وللقانون.
وهكذا تم توظيف الأدوات الديمقراطية في تجربة حديثة لخدمة أجندة أجنبية حتى وقفوا في ظل الديمقراطية تحت لافتة كتبوا عليها باقون حتى يسقط النظام، تجربة انتهكت فيها السيادة تحت حماية الديمقراطية وتحول المجتمع البحريني فيها إلى فسطاطين سني وشيعي تحت حماية الديمقراطية، وقيدت المرأة وتفتت النسيج الاجتماعي لتمثل تجربة الجماعات الدينية في البحرين مثال صارخ على أن تعارض بنائها الفكري والأيديولوجي مع مقومات إدارة الدولة فهي تركيبة لا تفقه إلا الصراع مع الدولة لا بناءها، وهكذا سادت تلك الجماعات ثم بادت في ظل الديمقراطية كذلك.
قصتهم عبرة لمن يريد أن يشتغل بالسياسة، إذ قد تمكنك الأدوات الديمقراطية من الوصول للسلطة والمشاركة في إدارة الدولة، لكنها أداة غير مستدامة إن كان هدفك إسقاط الدولة.
مثل هذه الدعوة من قبل القيادات الدينية قبل عشرة أعوام كانت تخرج عشرات الآلاف للشارع إن لم يكن مئاتها، أتذكرون حين أمروا أتباعهم من النساء للخروج في مسيرة اعتراضاً على قانون الأحوال الشخصية الذي وضع لإنصافهنّ، فخرجت عشرات الآلاف من السيدات، وحين أمروا أتباعهم بعدم التوقف عن المسيرات والاستمرار باستخدام ورقة الشارع، فشهدت البحرين على مدى عشر سنوات معدل مسيرات في السنة تجاوز المائتي مسيرة، ويصل أحيانا إلى 300 مسيرة.
تمثل حالة النكوص والانقراض في أعداد التابعين للخطاب الديني السياسي في البحرين نموذجاً صارخاً لفشل قيادات تلك الجماعات من استيعاب فكرة الدولة، ومغزى الوصول للسلطة، فإضاعة فرص ثمينة منحت لها كي تنخرط في إدارتها، ولكنها فضلت الاستمرار في صراعها معها وإشغال الجماعة بهذا الصراع، وجاءت هذه النتيجة التي توضح أنهم انفضوا من حولك.
فارق العدد اليوم يلخص بحد ذاته حكاية تجربة تعاطي الجماعات الدينية في دولة صغيرة كمملكة البحرين مع «الديمقراطية»، أرادت هذه الدولة النامية أن تكون مثالاً متقدماً في المنطقة للانفتاح والمشاركة الشعبية وفسح المجال للمناخ الحر في التعبير قولاً وتجمعاً وتشكيلاً للأحزاب السياسية، فكل الفرص والمقومات لنجاح التجربة بدت متوفرة.
شعب مثقف، نسبة الأمية فيه تكاد تكون معدومة، ذو تجربة نضالية مع الاستعمار، عمق حضاري يمتد إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، ومطالب مستمرة لم تتوقف بتبني الديمقراطية الغربية باعتبارها الحل الأمثل للقضايا المعيشية.
حين شاركت كتلتهم الانتخابية في الانتخابات فازت قائمتهم كاملة بفتوى من قيادتها الدينية، التي استفادت من مميزات الدستور البحريني وقوانينها التي أجازت التجمعات وحرية المسيرات بقانون ينظمها له عدة محظورات طبيعية كمنعها ليلاً والابتعاد على المرافق الحيوية كالمطار والمستشفيات وبإعطاء إخطار للجهات الأمنية فلا يحتاجون ترخيصاً! تخيل إلى أي درجة التجربة متقدمة، إنما استغلت الجماعات الدينية هذا الانفتاح واستغلت هذه المساحة من الحرية لتعطيل الحركة التجارية وشل الحركة الاقتصادية، فالانشغال كان بالصراع مع الدولة لا بإدارتها.
خطبهم الدينية كانت تقسم الشارع البحريني إلى فسطاطين على حد قولهم إما أن تكون مع الحسين أو ضده، ومظلتهم التي احتموا بها لهذا الفصل كانت «حرية التعبير» المكفولة دستورياً.
بفتواهم الدينية الصرفة تشكل أول الأحزاب السياسية في البحرين، تشكيلاً قائماً على التبعية الدينية فكان أول حزب سياسي مبني على أسس دينية صرفة، لا يسمح لمنتميه أن يكون شيعياً فحسب، بل منع من الانضمام له الشيعة الذين يقلدون مراجع دينية شيعية غير خامنئي، فكان فصلاً عنصرياً ماتت على إثره أهم مقومات الديمقراطية.
منعوا وصول المرأة في حزبهم إلى مناصب قيادية وحرضوها على رفض تقنين أحوالها الشخصية، واستخدموها صوتاً انتخابياً لوصول قائمتهم «الإيمانية» الذكورية فكانت أداة لصالح الذكور ومقيدة من التعبير والتحرك إلا بما يخدم أجندتهم الدينية.
حركوا الشارع مع كل مناسبة إيرانية، أو دعوة إيرانية، أو مصلحة إيرانية، مستغلين الأدوات الديمقراطية التي أتاحها الدستور البحريني.
منعوا التنسيق مع الأحزاب المدنية التي شاركتهم «النضال» على حد تعبيرهم بحجة حرمة ذلك دينياً وأطلقوا فتواهم الشهيرة منع «التمكين».
باختصار جردوا الديمقراطية من كل مقوماتها إلى أن وقعت الطامة الكبرى عام 2011 فأفتوا بدهس رجال الأمن، وحدث ما حدث من فوضى وخراب وعنف.
الغريب أنه حظوا بدعم غربي وأمريكي تحديداً فكانت وفود السفارات تحج لهم، تعزيزاً لمركزهم بشكل لافت للنظر وملحوظ، وكما فعلت السفارة الامريكية في مصر مع قيادات «رابعة» فعلت معهم بذات النهج والسياسة الأمريكية التي دعمت الجماعات الدينية السنية منها والشيعية، فكانوا يخاطبونهم كدولة داخل دولة دون اعتبار للسيادة وللدستور وللقانون.
وهكذا تم توظيف الأدوات الديمقراطية في تجربة حديثة لخدمة أجندة أجنبية حتى وقفوا في ظل الديمقراطية تحت لافتة كتبوا عليها باقون حتى يسقط النظام، تجربة انتهكت فيها السيادة تحت حماية الديمقراطية وتحول المجتمع البحريني فيها إلى فسطاطين سني وشيعي تحت حماية الديمقراطية، وقيدت المرأة وتفتت النسيج الاجتماعي لتمثل تجربة الجماعات الدينية في البحرين مثال صارخ على أن تعارض بنائها الفكري والأيديولوجي مع مقومات إدارة الدولة فهي تركيبة لا تفقه إلا الصراع مع الدولة لا بناءها، وهكذا سادت تلك الجماعات ثم بادت في ظل الديمقراطية كذلك.
قصتهم عبرة لمن يريد أن يشتغل بالسياسة، إذ قد تمكنك الأدوات الديمقراطية من الوصول للسلطة والمشاركة في إدارة الدولة، لكنها أداة غير مستدامة إن كان هدفك إسقاط الدولة.