حسناً فعل الأخ الفاضل غانم البوعينين وزير شؤون مجلسي الشورى والنواب حين أقنع أعضاء مجلس الشورى بعدم الرد على النواب حتى لا يُسَنّ عُرفٌ برلمانيٌ غير محمود بتحويل الجلسات إلى سجال نيابي شوري، فَسَدّ بذلك باباً لا يستفيد منه غير مَن لا يريد خيراً للبحرين.

وحسناً فعل أعضاء الشورى بالاستجابة لطلب «بو فضل» فقد كان ذلك عين العقل رغم أن الأخت دلال الزايد لو تحدثت لأفحمت فلا تنقصها الحجة ولا البيان، وقد لطّف رئيس الشورى الأستاذ الفاضل من حدة الغضب الشوري بوصفه اتهامات النواب بأنها (عتب) حتى يمتصّ ما في النفوس، وأُغلِق الباب إلى هنا لا عجزاً عن الرد إنما أريحية يُشكرون عليها من أجل الصالح العام.

ونأمل أن يحذوا النواب حذوهم ويُغلَق هذا الباب، فهي دعوة للسادة النواب الذين بدؤوا هذا السجال وأطلقوا الشرارة أن يتريثوا مستقبلاً قبل أن يفتح لهم المايكرفون للحديث فلا يأخذهم الحماس إلى طريق يدخلونه فلا يعرفون إلى أين سيوصلهم ولا يبغون ولا يتمنون نتائجه، فتكون لهم ولبقية الأعضاء ورطة يصعب الخروج منها فيما بعد إلا بخسائر تطالهم هم أولاً وتطال العملية التشريعية ثانياً، والأهم أنها تطال المصلحة العامة.

الاختلاف بين المجلسين وارد وطبيعي ومتوقع ومفهوم، وقبول بعض المقترحات من مجلس ورفضه من الآخر أيضاً متوقع، وإلا لم تكن هناك بنود تنظم إدارة هذا الاختلاف الطبيعي دستورياً وقانونياً وفي اللوائح التنظيمية، ولكل من المجلسين رأي ووجهة نظر محترمة حين الاختلاف تناقش ويتم تدارسها بأدوات دستورية منظمة سواء من قبل اللجان التنسيقية أو من قبل المجلسين إن اجتمعا في أشد أنواع الاختلاف، هذا هو السبيل الدستوري والقانوني بل والأدبي والعقلاني للتعبير عن الاختلاف في وجهات النظر.

إذ من المعروف أن أساس أي نظام تشريعي يضم غرفتين، هو تنوع واختلاف مصادر الرأي من أجل توظيفه لاختيار الأنسب والأفضل وفقاً لرأي الأغلبية.

فهل يتوقع السادة النواب أن آراءهم ومقترحاتهم و رغباتهم يجب أن لا تناقش ولا يُختَلَف حولها ويفرضوا آراءهم على غيرهم من خلال كيل الاتهامات والتشكيك بنوايا المختلفين؟

فالاختلاف وارد إنما الذي هو غير وارد أبداً الطعن في نوايا وأهداف بل الطعن في الشخوص نفسها أحياناً لا في الرأي الآخر فحسب، فطعن النواب لبعضهم البعض نراه يحدث كل أسبوع، وطعنهم أحياناً في أعضاء الحكومة، أو كما حدث أخيراً في الطعن في الغرفة الثانية وضعت أساساً لتحقيق التوازن في الآراء ووصمه بأنه مقبرة للاقتراحات التي تصب في خدمة المجتمع!!

الغرفة الثانية كأساس من أسس المشروع الإصلاحي لجلالة الملك واجهت الكثير من الطعون والهجمات منذ بداية عهد جلالته رغبة في إلغائها والإبقاء على الغرفة المنتخبة فحسب، دون النظر لما مرت به البحرين سابقاً من إخفاقات ودون النظر إلى تجارب الدول الأخرى التي أيضاً عانت هي الأخرى من توظيف الصلاحيات والسلطات المطلقة الرقابية لأهداف وأغراض غير التي تأسست ووجدت من أجلها، فلم يكن الحل عند جلالة الملك حفظه الله حين تم التصويت على الميثاق باختيار نظام الغرفتين عبثياً أو عشوائياً أو ليكون عبئاً أو مقبرة للاقتراحات كما وسموها، بل وجدت الغرفة الثانية -للتذكير- من أجل خلق التوازن بين الآراء المختلفة، ومن أجل الاستفادة من التخصصات والخبرات وكذلك من أجل الوسطية التي تجسر العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فهناك أهداف سامية إذا كانت عند الرؤية الملكية تحفظ التجربة وتقيها من العثرات المتكررة وهناك ضوابط لإدارة الاختلاف بينهما.

حاولوا كثيراً الطعن في هذه الرؤية وهذا القرار، منذ عام 2002 وهم يحاولون، اجتهدوا في صحافتهم الصفراء لتشويه الصورة، للتقليل من الأهمية، لتصويرها عبئاً لا داعي له، تارة بحجة الإثارة الصحفية وتارة بحجج أخرى، وكانت الأهداف معروفة حين ذاك، إنما ما عذركم أيها السادة؟

آراؤكم جميعاً محترمة ووجود غرفتكم محترم ومقدر ونتمنى أن تدار الاختلافات بين الغرفتين مستقبلاً وفق الضوابط الدستورية، فلا يحتاج الأمر في كل مرة لشطب الألفاظ الخارجة كما حدث في جلسة النواب، ولا يحتاج إلى أن يتدخل وزير شؤون المجلسين لمنع السجال العقيم.