لم تصدر مبادرة «رعاية» إلا من حس إنساني ومن خبرة طويلة في العمل التطوعي؛ فهي مبادرة تستحث عدة أطراف للاجتماع سوياً من أجل إيجاد حل للمشكلة الواحدة، وهو ما يشبه الاستحالة في الأوضاع العادية، فما بالك وأنت تتحدث عن مساعدة «جناة»؟
المبادرة الخلاقة التي أطلقتها النيابة العامة «رعاية» تقوم على اجتماع عدة أطراف حكومية وأهلية معاً لإنقاذ حالة إنسانية واحدة تتضافر من أجل انتشالها من الغرق.
في ظل المعايشة اليومية للنيابة العامة مع حالات الجنوح للأطفال ودخولهم عالم الجريمة، وفي ظل انحراف بعض النساء أو حتى الرجال وارتكابهم جرائم يعاقب عليها القانون، وجدت النيابة في أثناء التحقيق أن كثيراً من متهمي القضايا هم ضحايا بحد ذاتهم قبل أن يكونوا جناة، القرب من تلك الحالات في أثناء التحقيق والمحاكمة جعل الصورة أكثر وضوحاً وتفاصيلها أكثر بروزاً، والتمييز بين تلك الحالات والحالات التي لا مبرر لها في ارتكابها الجرائم أصبح ملكة يتمتع بها أعضاء النيابة، حيث الخبرة الكافية للفصل بينها.
ثم من تعايش مع العمل الخيري عقوداً طويلة كحال النائب العام الأخ الفاضل علي البوعينين «بوفضل» الذي يعرف صعوبة حل مشكلة أسرة واحدة فما بالك وأنت أمام مئات الأسر كل منها تحتاج إلى أن تجتمع لها أكثر من جهة كي توقف نزيفها ومن ثم تطلق تعافيها وتعود من جديد إلى وضعها الطبيعي، فإن خروج رعاية أصبح أمراً متوقعاً، فالعمل الرسمي أياً كانت صلاحياته وسلطاته لا يمكنه أن يحدث أثراً دون جناح المجتمع ومؤسساته الأهلية.
عرفت الأخ بوفضل كناشط في العمل الخيري في أثناء تواصلي كإعلامية مع جمعية المتعافين من الإدمان و«تعافي» وهي مؤسسة غير ربحية مختصة في علاج وتعافي مدمني المخدرات بالمجان وهو رئيسها الفخري، ثم في أثناء الأزمة عام 2011 كرمتني جمعية «الناسك» وعلمت بعدها أنه رئيسها الفخري وهي مؤسسة مختصة في الأعمال الخيرية، ثم اكتشفت أن بوفضل يعمل في الكواليس الخلفية للأعمال الخيرية بصمت منذ غزو الكويت أي منذ التسعينيات إلى الآن أي أكثر من ثلاثين عاماً، لذلك لم أستغرب أبدا خروج تلك المبادرة «رعاية» من تحت يده؛ فهي مبادرة تعمل على جمع كل الأطراف المعنية بالحالة الإنسانية الرسمية والأهلية وإيجاد حل لها بدلاً من حلها كل عقدة على حدة، وتلك لا يفكر بها إلا من عايش تحديات العمل الخيري، ولا يفكر بها إلا من امتلك خبرة في التعاطي مع الجناة من منطلق عمله في النيابة العامة قبل أن يكون نائباً عاماً.
فهناك «جناة» هم ضحايا العنف، و«جناة» هم ضحايا الفقر، و«جناة» ضحايا عدم الإنصاف والظلم، حتى لو حكمت عليهم بجرمهم المشهود فإن خبرتك تنبئك بعدم انتهاء المشكلة فهي أعقد من مجرد حكم على أحد جناتها، فالجاني تحيط به بؤر الجريمة وينابيعها وسيعود من جديد، ويحيط بالجاني أفراد لا ذنب لهم معه، لكنهم سيدفعون الثمن شاؤوا أم أبوا.
جناة حالتهم معقدة تتوزع بين قلة التعليم وقلة التدبير وقلة المادة وانعدام المأوى وضياع الوالي وانحراف الأم، فمن أي عقدة ستبدأ وإلى أي عقدة ستنتهي؟
النيابة العامة في الأحوال العادية وظيفتها التقصي والتحقق وتوجيه الاتهام إن وجدت عناصره ونقل المسؤولية إلى المحكمة، أما أن إنقاذ ضحايا هذه الحالة بما فيها الجناة أنفسهم الذين تجد النيابة أنهم ضحايا أكثر من أنهم جناة فإن ذلك يتطلب حساً إنسانياً وخبرة في العمل التطوعي تعرف أنه ما لم تتبنَ الدولة ممثلة بجهة رسمية مهمة جمع جهودها وتركيزها لحل المشكلة من جذورها فإن أحداً لا يستطيع أن يقوم بتلك المهمة الإنسانية.
{{ article.visit_count }}
المبادرة الخلاقة التي أطلقتها النيابة العامة «رعاية» تقوم على اجتماع عدة أطراف حكومية وأهلية معاً لإنقاذ حالة إنسانية واحدة تتضافر من أجل انتشالها من الغرق.
في ظل المعايشة اليومية للنيابة العامة مع حالات الجنوح للأطفال ودخولهم عالم الجريمة، وفي ظل انحراف بعض النساء أو حتى الرجال وارتكابهم جرائم يعاقب عليها القانون، وجدت النيابة في أثناء التحقيق أن كثيراً من متهمي القضايا هم ضحايا بحد ذاتهم قبل أن يكونوا جناة، القرب من تلك الحالات في أثناء التحقيق والمحاكمة جعل الصورة أكثر وضوحاً وتفاصيلها أكثر بروزاً، والتمييز بين تلك الحالات والحالات التي لا مبرر لها في ارتكابها الجرائم أصبح ملكة يتمتع بها أعضاء النيابة، حيث الخبرة الكافية للفصل بينها.
ثم من تعايش مع العمل الخيري عقوداً طويلة كحال النائب العام الأخ الفاضل علي البوعينين «بوفضل» الذي يعرف صعوبة حل مشكلة أسرة واحدة فما بالك وأنت أمام مئات الأسر كل منها تحتاج إلى أن تجتمع لها أكثر من جهة كي توقف نزيفها ومن ثم تطلق تعافيها وتعود من جديد إلى وضعها الطبيعي، فإن خروج رعاية أصبح أمراً متوقعاً، فالعمل الرسمي أياً كانت صلاحياته وسلطاته لا يمكنه أن يحدث أثراً دون جناح المجتمع ومؤسساته الأهلية.
عرفت الأخ بوفضل كناشط في العمل الخيري في أثناء تواصلي كإعلامية مع جمعية المتعافين من الإدمان و«تعافي» وهي مؤسسة غير ربحية مختصة في علاج وتعافي مدمني المخدرات بالمجان وهو رئيسها الفخري، ثم في أثناء الأزمة عام 2011 كرمتني جمعية «الناسك» وعلمت بعدها أنه رئيسها الفخري وهي مؤسسة مختصة في الأعمال الخيرية، ثم اكتشفت أن بوفضل يعمل في الكواليس الخلفية للأعمال الخيرية بصمت منذ غزو الكويت أي منذ التسعينيات إلى الآن أي أكثر من ثلاثين عاماً، لذلك لم أستغرب أبدا خروج تلك المبادرة «رعاية» من تحت يده؛ فهي مبادرة تعمل على جمع كل الأطراف المعنية بالحالة الإنسانية الرسمية والأهلية وإيجاد حل لها بدلاً من حلها كل عقدة على حدة، وتلك لا يفكر بها إلا من عايش تحديات العمل الخيري، ولا يفكر بها إلا من امتلك خبرة في التعاطي مع الجناة من منطلق عمله في النيابة العامة قبل أن يكون نائباً عاماً.
فهناك «جناة» هم ضحايا العنف، و«جناة» هم ضحايا الفقر، و«جناة» ضحايا عدم الإنصاف والظلم، حتى لو حكمت عليهم بجرمهم المشهود فإن خبرتك تنبئك بعدم انتهاء المشكلة فهي أعقد من مجرد حكم على أحد جناتها، فالجاني تحيط به بؤر الجريمة وينابيعها وسيعود من جديد، ويحيط بالجاني أفراد لا ذنب لهم معه، لكنهم سيدفعون الثمن شاؤوا أم أبوا.
جناة حالتهم معقدة تتوزع بين قلة التعليم وقلة التدبير وقلة المادة وانعدام المأوى وضياع الوالي وانحراف الأم، فمن أي عقدة ستبدأ وإلى أي عقدة ستنتهي؟
النيابة العامة في الأحوال العادية وظيفتها التقصي والتحقق وتوجيه الاتهام إن وجدت عناصره ونقل المسؤولية إلى المحكمة، أما أن إنقاذ ضحايا هذه الحالة بما فيها الجناة أنفسهم الذين تجد النيابة أنهم ضحايا أكثر من أنهم جناة فإن ذلك يتطلب حساً إنسانياً وخبرة في العمل التطوعي تعرف أنه ما لم تتبنَ الدولة ممثلة بجهة رسمية مهمة جمع جهودها وتركيزها لحل المشكلة من جذورها فإن أحداً لا يستطيع أن يقوم بتلك المهمة الإنسانية.