نودع غداً عام 2021 الذي يرحل عنَّا متثاقلاً بليداً غير مأسوف عليه، بما يحمله من ثقل الأوجاع، والحصارات والكوارث والأزمات. ونستقبل بإذن الله، عاماً جديداً لعله يحمل بوارق من الأمل المنتظر والمرجو. وعندما نتوقف لوداع العام المنقضي، يمكننا أن نتوقف عند نقطتين على الأقل:
الأولى: إذا كان هذا العام الذي يطوي أوراقه الأخيرة عاماً ثقيلاً موجعاً، فقد أكد مجدداً قدرة الإنسان على مواجهة التحديات «بما في ذلك التي صنعها بنفسه»، وتصحيح المسارات والتكيف مع المستجدات، مهما كانت صعبة ومعقدة، في كافة المجالات الصحية والبيئية والاقتصادية وغيرها. وهذا ما يعزز منزلة الإنسان في الوجود، والذي كرَّمه الله في البر والبحر. ولذلك لا خوف على الإنسان. فمهما ساءت الأوضاع وتعقدت، فهو قادر على مواجهتها واجتراح الحلول اللازمة للتكيف معها وتجاوزها في ذات الوقت؛ فتاريخ الإنسانية ليس سوى سلسلة من تعاقب قوى التحدي والاستجابة، فشكراً للعلماء والمبدعين وكل من ثبت أقدام الإنسان في الوجود.
الثانية: ترتبط بترسخ مسار التفاهة في العالم والتي تحولت إلى قيمة ثابتة، حتى بتنا -على حد تعبير المفكر الكندي ألان دونو- نحيا في نظام «عالمي جديد هو نظام التفاهة». عالم يسيطر التافهون على مفاصله، ترجمةً لصعود الرداءة والانحطاط وتهميشاً لمنظومات القيم وإبعاداً للكفاءة، وتسيُّداً للتافهين في السياسة والاقتصاد والمجتمع، والثقافة والإعلام وغيرها.. لذلك أصبح الكاتب أو المفكر أو المبدع يفضل الهروب من المواجهة اليومية مع الانتهازية والوصولية والكذب والتفاهة، مفضلاً الانعزال بعيداً عن الضَّجيج ِالذي يشوّش الرؤية والعقل، ويشلّ التفكير عن العيش وسط هذا العالم المضطرب المليء بالانتهازيين والكذابين والتافهين.
رغوة العام الجديد
في ليلة رأس العام الجديد سوف أحتفل على طريقتي الخاصة بوداع عام آخر من التفاهة. تقف أمام المرآة، تفرك ذقنك بالصابون، وتجري الفرشاة ذهاباً وإياباً، تتكثف الرغوة ترتفع سمكاً، يختفي شاربك، ثم ثقبا أنفك، ثم شفتاك.. شحمتا أذنيك تختفيان. يتحول وجهك إلى عينين فقط.. يستهويك المشهد السوريالي العجيب.. يستهويك القناع الأبيض على وجهك.. تنظر في عينيك باحثاً عن معنى، فلا تعثر عليه. يرتد إليك البصر وهو حديد.. تعيد الكرة مرة ومرتين، من دون جدوى. تتفرس في المشهد، تبحث عن التضاريس المتخفية وراء الرغوة.. تجري الموسى من الأعلى، قرب الأذن والوريد، نزولاً إلى الأسفل عند الذقن والشفتين مروراً على الشارب. تلمع الجلدة من خلف الرغوة بتجاعيدها المتسعة مساحتها عاماً بعد عام.. تتفرس فيما بقي من الخارطة للعام الجديد. فتكتشف أن الأيام انفلتت من تحت الرغوة، من دون أن تدري، بالرغم من تكرار الفعل يومياً. مساحة الضياع تتسع والسؤال الحائر يبحث عن جواب في فجر العام الجديد: ثم ماذا؟
{{ article.visit_count }}
الأولى: إذا كان هذا العام الذي يطوي أوراقه الأخيرة عاماً ثقيلاً موجعاً، فقد أكد مجدداً قدرة الإنسان على مواجهة التحديات «بما في ذلك التي صنعها بنفسه»، وتصحيح المسارات والتكيف مع المستجدات، مهما كانت صعبة ومعقدة، في كافة المجالات الصحية والبيئية والاقتصادية وغيرها. وهذا ما يعزز منزلة الإنسان في الوجود، والذي كرَّمه الله في البر والبحر. ولذلك لا خوف على الإنسان. فمهما ساءت الأوضاع وتعقدت، فهو قادر على مواجهتها واجتراح الحلول اللازمة للتكيف معها وتجاوزها في ذات الوقت؛ فتاريخ الإنسانية ليس سوى سلسلة من تعاقب قوى التحدي والاستجابة، فشكراً للعلماء والمبدعين وكل من ثبت أقدام الإنسان في الوجود.
الثانية: ترتبط بترسخ مسار التفاهة في العالم والتي تحولت إلى قيمة ثابتة، حتى بتنا -على حد تعبير المفكر الكندي ألان دونو- نحيا في نظام «عالمي جديد هو نظام التفاهة». عالم يسيطر التافهون على مفاصله، ترجمةً لصعود الرداءة والانحطاط وتهميشاً لمنظومات القيم وإبعاداً للكفاءة، وتسيُّداً للتافهين في السياسة والاقتصاد والمجتمع، والثقافة والإعلام وغيرها.. لذلك أصبح الكاتب أو المفكر أو المبدع يفضل الهروب من المواجهة اليومية مع الانتهازية والوصولية والكذب والتفاهة، مفضلاً الانعزال بعيداً عن الضَّجيج ِالذي يشوّش الرؤية والعقل، ويشلّ التفكير عن العيش وسط هذا العالم المضطرب المليء بالانتهازيين والكذابين والتافهين.
رغوة العام الجديد
في ليلة رأس العام الجديد سوف أحتفل على طريقتي الخاصة بوداع عام آخر من التفاهة. تقف أمام المرآة، تفرك ذقنك بالصابون، وتجري الفرشاة ذهاباً وإياباً، تتكثف الرغوة ترتفع سمكاً، يختفي شاربك، ثم ثقبا أنفك، ثم شفتاك.. شحمتا أذنيك تختفيان. يتحول وجهك إلى عينين فقط.. يستهويك المشهد السوريالي العجيب.. يستهويك القناع الأبيض على وجهك.. تنظر في عينيك باحثاً عن معنى، فلا تعثر عليه. يرتد إليك البصر وهو حديد.. تعيد الكرة مرة ومرتين، من دون جدوى. تتفرس في المشهد، تبحث عن التضاريس المتخفية وراء الرغوة.. تجري الموسى من الأعلى، قرب الأذن والوريد، نزولاً إلى الأسفل عند الذقن والشفتين مروراً على الشارب. تلمع الجلدة من خلف الرغوة بتجاعيدها المتسعة مساحتها عاماً بعد عام.. تتفرس فيما بقي من الخارطة للعام الجديد. فتكتشف أن الأيام انفلتت من تحت الرغوة، من دون أن تدري، بالرغم من تكرار الفعل يومياً. مساحة الضياع تتسع والسؤال الحائر يبحث عن جواب في فجر العام الجديد: ثم ماذا؟