قد يبدو وجود محاور متعددة تتقاسم النفوذ في العالم خياراً أكثر سلامة من هيمنة دولة أو قطب واحد. فقد جرّب العالم هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في العام 1990، وحصد الكثير من الحروب والأزمات التي خلّفت آثاراً قائمة ومؤثرة لحد الآن، لكن الواقع لا يبدو بسيطاً على هذا النحو، فالتحولات السياسية في موازين القوى مع مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تشير إلى اشتداد حدة الصراع بين القوة المهيمنة السابقة والقوى الصاعدة، الأمر الذي يوتّر العالم يوماً بعد يوم بشكل مقلق.
يُجمع الكثير من المحللين على خفوت نجم الإمبراطورية الأمريكية بعد أن أنهكت في القرون السابقة واستنزفت قوتها بنفسها. وفي الوقت ذاته كانت دول أخرى تبني قدراتها وقواتها حتى تعاظمت وصارت منافسة للإمبراطورية الأمريكية، مثل الصين التي تمكنت من التحول إلى قوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية ضخمة، وروسيا التي استعادت عافيتها وعادت لتحمي حدودها ونفوذها، أضف إلى ذلك بعض الدول في المنطقة التي تعمل على شق طريق التمرّد والتفرّد وممارسة نفوذ إقليمي يهدّد مساحة النفوذ الأمريكي، مثل تركيا وإيران.
هذه الخارطة المعقّدة من مسارات الاستقواء، التي تبلورت بصورة جلية مع مطلع العام 2022، لا تسير في اتجاه منسجم، وتتقاطع مع مصالح كل الدول لتخلق صراعات متعدّدة يخشى الجميع من مآلاتها.
تبدو الولايات المتحدة منكفئة على ذاتها مرتبكة في سياساتها الداخلية والخارجية. وتبدو الصين واثقة الخطى في نموها الاقتصادي المذهل وتطوير علاقاتها السياسية مع حلفاء جدد، وتبدو جادة في كل تهديداتها فيما يخص تفاهماتها مع الغرب حول قضيتي تايوان وهونغ كونغ. أما روسيا، وبرغم الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها من الغرب، إلا أنها تمكّنت من حل الغالبية العظمى من مشكلاتها السياسية المتراكمة منذ حقبة السوفيت. واستطاعت صدّ كل مخططات حلف الناتو في التسلّل إلى الجمهوريات المحيطة بها، ولم تتردّد في التدخل العسكري في أوكرانيا أو أي من الجمهوريات المجاورة لها، حين حاول الغرب تحويلها إلى حليف له، يهدد المصالح الروسية. من جهة أخرى، فإن الحضور الأوروبي باهت ورمادي في معالجة مختلف الأزمات التي تدور رحاها على جغرافيته، خصوصاً ما يتعلّق بالوضع الروسي.
وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط فإن السلوك السياسي التركي غير منضبط كامل الانضباط لحلف الناتو في علاقة تركيا مع روسيا وإيران، ولا تتوانى تركيا عن دخول حالة عداء مع الدول الأوروبية في مناوشات التصريحات المختلفة ضد فرنسا أو ألمانيا.
الصورة الأولية لعلاقات «محاور القوى» الجديدة والقديمة تتجه نحو تنامي الصراع، في غياب أي أداة أو جهة قادرة على ضبطها، والمنطقة العربية كانت ومازالت أحد المواقع التي تتحرّك الصراعات على أرضها، خصوصاً أن المنطقة مازالت تشهد صراعات وحروباً مفتوحة لم تجد طريقها إلى الحل، مما يجعلها منطقة أكثر إغراءً للتصارع عليها في ذاتها.
لكن هذه الحال التعددية يمكن استغلالها من قبل دول المنطقة، وخصوصاً دول الخليج العربي، لخلق حالة توازن في العلاقات السياسية الخارجية التي كانت تلقي بثقلها الأعظم في السلة الأمريكية. وقد اتجهت دول الخليج، بالفعل، إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع كل من الصين وروسيا، وشهدت علاقة تركيا مع بعض دول الخليج تحسّناً وتقدّماً، وهذا التوجه المتوازن ستجني به المنطقة مكاسب اقتصادية وأمنية كثيرة، كما سيجنّبها الدخول في انحيازات غير واضحة المعالم في ظل عالم يتغيّر بسرعة كبيرة. التحوّلات المتسارعة في موازين القوى الدولية، وفي تنامي الحروب الباردة المتعددة التي أصبحت حقيقة ماثلة أمامنا، تستدعي متابعةً ودراسةً، ووضع خطط استراتيجية وتكتيكية للتعامل معها، وضبط تحركات دولنا في الاتجاه الذي يحفظ مصالحها، ويحمي طموحاتها في بناء قواها السياسية والاقتصادية والعسكرية كذلك.
يُجمع الكثير من المحللين على خفوت نجم الإمبراطورية الأمريكية بعد أن أنهكت في القرون السابقة واستنزفت قوتها بنفسها. وفي الوقت ذاته كانت دول أخرى تبني قدراتها وقواتها حتى تعاظمت وصارت منافسة للإمبراطورية الأمريكية، مثل الصين التي تمكنت من التحول إلى قوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية ضخمة، وروسيا التي استعادت عافيتها وعادت لتحمي حدودها ونفوذها، أضف إلى ذلك بعض الدول في المنطقة التي تعمل على شق طريق التمرّد والتفرّد وممارسة نفوذ إقليمي يهدّد مساحة النفوذ الأمريكي، مثل تركيا وإيران.
هذه الخارطة المعقّدة من مسارات الاستقواء، التي تبلورت بصورة جلية مع مطلع العام 2022، لا تسير في اتجاه منسجم، وتتقاطع مع مصالح كل الدول لتخلق صراعات متعدّدة يخشى الجميع من مآلاتها.
تبدو الولايات المتحدة منكفئة على ذاتها مرتبكة في سياساتها الداخلية والخارجية. وتبدو الصين واثقة الخطى في نموها الاقتصادي المذهل وتطوير علاقاتها السياسية مع حلفاء جدد، وتبدو جادة في كل تهديداتها فيما يخص تفاهماتها مع الغرب حول قضيتي تايوان وهونغ كونغ. أما روسيا، وبرغم الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها من الغرب، إلا أنها تمكّنت من حل الغالبية العظمى من مشكلاتها السياسية المتراكمة منذ حقبة السوفيت. واستطاعت صدّ كل مخططات حلف الناتو في التسلّل إلى الجمهوريات المحيطة بها، ولم تتردّد في التدخل العسكري في أوكرانيا أو أي من الجمهوريات المجاورة لها، حين حاول الغرب تحويلها إلى حليف له، يهدد المصالح الروسية. من جهة أخرى، فإن الحضور الأوروبي باهت ورمادي في معالجة مختلف الأزمات التي تدور رحاها على جغرافيته، خصوصاً ما يتعلّق بالوضع الروسي.
وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط فإن السلوك السياسي التركي غير منضبط كامل الانضباط لحلف الناتو في علاقة تركيا مع روسيا وإيران، ولا تتوانى تركيا عن دخول حالة عداء مع الدول الأوروبية في مناوشات التصريحات المختلفة ضد فرنسا أو ألمانيا.
الصورة الأولية لعلاقات «محاور القوى» الجديدة والقديمة تتجه نحو تنامي الصراع، في غياب أي أداة أو جهة قادرة على ضبطها، والمنطقة العربية كانت ومازالت أحد المواقع التي تتحرّك الصراعات على أرضها، خصوصاً أن المنطقة مازالت تشهد صراعات وحروباً مفتوحة لم تجد طريقها إلى الحل، مما يجعلها منطقة أكثر إغراءً للتصارع عليها في ذاتها.
لكن هذه الحال التعددية يمكن استغلالها من قبل دول المنطقة، وخصوصاً دول الخليج العربي، لخلق حالة توازن في العلاقات السياسية الخارجية التي كانت تلقي بثقلها الأعظم في السلة الأمريكية. وقد اتجهت دول الخليج، بالفعل، إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع كل من الصين وروسيا، وشهدت علاقة تركيا مع بعض دول الخليج تحسّناً وتقدّماً، وهذا التوجه المتوازن ستجني به المنطقة مكاسب اقتصادية وأمنية كثيرة، كما سيجنّبها الدخول في انحيازات غير واضحة المعالم في ظل عالم يتغيّر بسرعة كبيرة. التحوّلات المتسارعة في موازين القوى الدولية، وفي تنامي الحروب الباردة المتعددة التي أصبحت حقيقة ماثلة أمامنا، تستدعي متابعةً ودراسةً، ووضع خطط استراتيجية وتكتيكية للتعامل معها، وضبط تحركات دولنا في الاتجاه الذي يحفظ مصالحها، ويحمي طموحاتها في بناء قواها السياسية والاقتصادية والعسكرية كذلك.