قبل بضعة عقود كانت تيارات الإسلام السياسي الناشئة، منذ سقوط الخلافة العثمانية، تصرح علانية بأن الديمقراطية بدعة، وأن الدولة المدنية التي تحكمها قوانين مدنية كفر وتغريب، وأن الفصل بين الدين والسياسة ضلالة، إلى آخر استتباعات هذا المنظور الذي ساد طويلاً وأثّر بعمقٍ.
ولكن أهم تيارات الإسلام السياسي الموجودة على الساحة اليومَ، بدأت تبدي قبولها للحرية والديمقراطية التمثيلية، بل وتشارك في الانتخابات، وتتحدث عن «مدنية الدَّولة»، فيما يشبه القناعة الرَّاسخة. بما يُوحي بالقطع مع منظور «البدعة والتكفير والضلالة»، والقبول بمتطلبات الانخراط في الحياة السياسية المدنية الجديدة. «هكذا!».
للوهلة الأولى قد يبدو هذا التحول إيجابياً كتطور في المنظور الفكري والسياسي، إلا أنَّ فحص هذا الخطاب والتفسيرات لـمصطلح «الدولة المدنية» لدى هؤلاء يفضي إلى أن الأمر لا يعدو «مفهوم الدولة الإسلامية» التي يكون حكامها مدنيين وإن كانت تطبق أحكام الشريعة، وليسوا رجال دين، مثلما كان الأمر في القرون التي خلت. وبهذا المعنى يؤيدون قيام دولة يكون الوصول للحكم فيها عن طريق الانتخاب، طالما أنهم يضمنون الأغلبية... دولة فيها مجالس منتخبة وتشريعات تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية.. في حين أن مفهوم الدّولة المدنية الديمقراطية أبعد من ذلك بكثير، ويرتبط بالضرورة بـضمان حقوق وحريات المواطنين في إطار دولة المواطنة المتساوية. فالمواطنة لا تتحقق إلا في دولة مدنية ديمقراطية تعددية دستورية تصون كرامة المواطن وحريته، بما في ذلك حرية الضمير، وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الجنس، أو الدين أو المذهب أو العرق. والدولة المدنية الديمقراطية يديرها بالضرورة مدنيون يخضعون للمساءلة والمحاسبة. ولا دخل لرجال الدين في إدارة شؤون الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر. ولا سلطان لهم على الصعيد السياسي. فهم مواطنون كبقية المواطنين، ولكن استبعادهم من السلطة، لا يعني استبعاد المتدينين منها. بل المقصود ألا تجتمع السلطتان السياسية والدينية في قبضة رجال الدين، فيتحولون كما هو حاصل في بعض البلدان إلى أشخاص فوق القانون وفوق المحاسبة. كما أن الدولة المدنية تحول دون تحويل السياسة إلى صراع حول العقائد أو الشرائع السماوية، بل تبقيها صراعاً سلمياً بين رؤى وأفكار وبرامج، لاختيار الأفضل للدولة والمجتمع، لتحقيق الصالح العام، في ظل القبول بالتعددية واحترام حقوق الأقليات. وبهذا المعنى فالدولة المدنية تدار بشكل مدني ديمقراطي، وبمضمون ديمقراطي ويديرها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والتخطيط والسياسة والاقتصاد والتقنية والتربية، وغيرها. ولا تدار من قبل علماء الدين أو الفقهاء. كما أنَّ فصل الدِّين عن السياسة لا يعني استبعاد الدين من الدولة والحياة العامة، لأن الدِّين يبقى مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع التعددي المتسامح المنفتح، والذي يضمن حقوق كافة المؤمنين، في ممارسة شعائرهم وقناعاتهم، ضمن ضوابط القانون الذي ينظم حياة المجتمع.
ولكن أهم تيارات الإسلام السياسي الموجودة على الساحة اليومَ، بدأت تبدي قبولها للحرية والديمقراطية التمثيلية، بل وتشارك في الانتخابات، وتتحدث عن «مدنية الدَّولة»، فيما يشبه القناعة الرَّاسخة. بما يُوحي بالقطع مع منظور «البدعة والتكفير والضلالة»، والقبول بمتطلبات الانخراط في الحياة السياسية المدنية الجديدة. «هكذا!».
للوهلة الأولى قد يبدو هذا التحول إيجابياً كتطور في المنظور الفكري والسياسي، إلا أنَّ فحص هذا الخطاب والتفسيرات لـمصطلح «الدولة المدنية» لدى هؤلاء يفضي إلى أن الأمر لا يعدو «مفهوم الدولة الإسلامية» التي يكون حكامها مدنيين وإن كانت تطبق أحكام الشريعة، وليسوا رجال دين، مثلما كان الأمر في القرون التي خلت. وبهذا المعنى يؤيدون قيام دولة يكون الوصول للحكم فيها عن طريق الانتخاب، طالما أنهم يضمنون الأغلبية... دولة فيها مجالس منتخبة وتشريعات تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية.. في حين أن مفهوم الدّولة المدنية الديمقراطية أبعد من ذلك بكثير، ويرتبط بالضرورة بـضمان حقوق وحريات المواطنين في إطار دولة المواطنة المتساوية. فالمواطنة لا تتحقق إلا في دولة مدنية ديمقراطية تعددية دستورية تصون كرامة المواطن وحريته، بما في ذلك حرية الضمير، وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الجنس، أو الدين أو المذهب أو العرق. والدولة المدنية الديمقراطية يديرها بالضرورة مدنيون يخضعون للمساءلة والمحاسبة. ولا دخل لرجال الدين في إدارة شؤون الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر. ولا سلطان لهم على الصعيد السياسي. فهم مواطنون كبقية المواطنين، ولكن استبعادهم من السلطة، لا يعني استبعاد المتدينين منها. بل المقصود ألا تجتمع السلطتان السياسية والدينية في قبضة رجال الدين، فيتحولون كما هو حاصل في بعض البلدان إلى أشخاص فوق القانون وفوق المحاسبة. كما أن الدولة المدنية تحول دون تحويل السياسة إلى صراع حول العقائد أو الشرائع السماوية، بل تبقيها صراعاً سلمياً بين رؤى وأفكار وبرامج، لاختيار الأفضل للدولة والمجتمع، لتحقيق الصالح العام، في ظل القبول بالتعددية واحترام حقوق الأقليات. وبهذا المعنى فالدولة المدنية تدار بشكل مدني ديمقراطي، وبمضمون ديمقراطي ويديرها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والتخطيط والسياسة والاقتصاد والتقنية والتربية، وغيرها. ولا تدار من قبل علماء الدين أو الفقهاء. كما أنَّ فصل الدِّين عن السياسة لا يعني استبعاد الدين من الدولة والحياة العامة، لأن الدِّين يبقى مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع التعددي المتسامح المنفتح، والذي يضمن حقوق كافة المؤمنين، في ممارسة شعائرهم وقناعاتهم، ضمن ضوابط القانون الذي ينظم حياة المجتمع.