العالم أجمع شرقاً وغرباً يعلم أهمية الحضارة الإسلامية العربية وفضلها كجزء من صيرورة البشرية على ما هي عليه اليوم، لذلك الدين الإسلامي والموروث الإسلامي محل تقدير من جميع الأمم. فحديثنا لا يتعلق بالدين إنما محاولة لتسليط الضوء على سؤال حاول المسلمون الإجابة عنه في تاريخنا المعاصر ولا يزالون يكابدون المحاولة، هذا ليس جديداً؛ فمنذ الحملة الفرنسية على مصر في 1798، كونها اللحظة المفارقة من تاريخنا التي كشفت حجم تأخر المسلمين مقارنة بالتقدم العلمي للجيش الفرنسي.
جميعنا نتذكر محاولة محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة في رأب الصدع الحضاري بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، فأوفد عدداً من تلاميذ مصر النابغين إلى المدارس والجامعات الأوروبية، وكان لذلك أثر مهم على حركة التحديث إلى يومنا هذا، لكنها محاولة جاءت بعد فوات الأوان فلم تتمكن الدولة الإسلامية بعد ذلك الصمود كثيراً أمام غزو الدول الغربية الكولونيالي للعالم. كل ذلك حدث في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وخلال النصف الثاني من ذلك القرن، لمعت أسماء كبيرة في سماء العالم الإسلامي أمثال الشيخ محمد عبده وسعد زغلول، لكننا سنسلط الضوء على «أمير البيان» الكاتب والمفكر العربي اللبناني شكيب أرسلان المولود في 25 ديسمبر 1869، لماذا هذا الكاتب؟ لأنه صاحب كتاب «لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟» الصادر في عام 1930، فعنوان المقال مأخوذ من عنوان كتابه، المفارقة لقارئ الكتاب سيكتشف وكأن الزمن لا يتحرك ويمضي ببطء شديد، فذات التساؤلات التي عالجها شكيب أرسلان ممكن طرحها اليوم، موضحاً أن عجلة التاريخ لا تسير تصاعدياً أو في خط مستقيم، لأنها أقرب لتكون منحنى بيانياً تارة في القاع وأخرى في القمة وبدراسة الأسباب يمكن الوقوف على مسببات التراجع أو التقدم. رغم ذلك من الضروري إبراز أن الإنسان البحريني اليوم هو أقرب من حيث المكونات الثقافية للإنسان الياباني أو الألماني أو أي إنسان آخر على وجه الأرض، مقارنة بالإنسان البحريني الذي كان يعيش على نفس الأرض قبل مائة عام!، يرجع ذلك لأثر حضارة العلم السائدة في يومنا هذا، وبالرغم من قول الفيلسوف الألماني هيجل «نتعلم من التاريخ درساً مهماً إن أحدا لم يتعلم من التاريخ»، إلا أننا موجودون في التاريخ، ثقافياً ودينياً وتاريخياً وحضارياً، كأن الأخذ بالأسباب يتطلب نفض الغبار عن موروثنا وذخيرتنا الحضارية من جانب، ومن جانب آخر النظر للحضارة «الغربية» كبعد ثقافي يمكن الاستفادة منه، بعيداً عن التماهي فيها بحثاً عن التقدم، فمن ينسى هويته وموروثه غالباً لن ينتج شيئاً مفيداً. فالنظر للتاريخ يتطلب أدوات منهجية، تقدم التاريخ على أنه تراكم للمنجزات الثقافية وليس تراكماً للانتصارات العسكرية وصراعاً دموياً. يروي المؤرخ الأمريكي المعروف ويل ديورانت في كتابيه «قصة الحضارة» و«قصة الفلسفة» صيرورة التاريخ بالنظر إلى العلماء والفلاسفة والمفكرين على مر العصور، وكيف تتركب الأفكار وينمو وعي البشر شيئاً فشيئاً بفضل جهودهم، لذلك في الثقافة يكمن العامل الجوهري الحقيقي مقارنة بالفرسان والقادة العسكريين، الذين يكونون غالباً مدفوعين بحكم معطيات سياسية في أزمنتهم. في العالم لا يوجد أعداء بالفطرة، هناك مصالح متداخلة بين الشعوب والأفراد، والشعوب الأكثر حظاً من التقدم هي التي تخطط بمنهجية واضحة تقبل المراجعة والقياس والتغيير والتعديل والبناء المستمر.
* مستشار قانوني
جميعنا نتذكر محاولة محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة في رأب الصدع الحضاري بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، فأوفد عدداً من تلاميذ مصر النابغين إلى المدارس والجامعات الأوروبية، وكان لذلك أثر مهم على حركة التحديث إلى يومنا هذا، لكنها محاولة جاءت بعد فوات الأوان فلم تتمكن الدولة الإسلامية بعد ذلك الصمود كثيراً أمام غزو الدول الغربية الكولونيالي للعالم. كل ذلك حدث في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وخلال النصف الثاني من ذلك القرن، لمعت أسماء كبيرة في سماء العالم الإسلامي أمثال الشيخ محمد عبده وسعد زغلول، لكننا سنسلط الضوء على «أمير البيان» الكاتب والمفكر العربي اللبناني شكيب أرسلان المولود في 25 ديسمبر 1869، لماذا هذا الكاتب؟ لأنه صاحب كتاب «لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟» الصادر في عام 1930، فعنوان المقال مأخوذ من عنوان كتابه، المفارقة لقارئ الكتاب سيكتشف وكأن الزمن لا يتحرك ويمضي ببطء شديد، فذات التساؤلات التي عالجها شكيب أرسلان ممكن طرحها اليوم، موضحاً أن عجلة التاريخ لا تسير تصاعدياً أو في خط مستقيم، لأنها أقرب لتكون منحنى بيانياً تارة في القاع وأخرى في القمة وبدراسة الأسباب يمكن الوقوف على مسببات التراجع أو التقدم. رغم ذلك من الضروري إبراز أن الإنسان البحريني اليوم هو أقرب من حيث المكونات الثقافية للإنسان الياباني أو الألماني أو أي إنسان آخر على وجه الأرض، مقارنة بالإنسان البحريني الذي كان يعيش على نفس الأرض قبل مائة عام!، يرجع ذلك لأثر حضارة العلم السائدة في يومنا هذا، وبالرغم من قول الفيلسوف الألماني هيجل «نتعلم من التاريخ درساً مهماً إن أحدا لم يتعلم من التاريخ»، إلا أننا موجودون في التاريخ، ثقافياً ودينياً وتاريخياً وحضارياً، كأن الأخذ بالأسباب يتطلب نفض الغبار عن موروثنا وذخيرتنا الحضارية من جانب، ومن جانب آخر النظر للحضارة «الغربية» كبعد ثقافي يمكن الاستفادة منه، بعيداً عن التماهي فيها بحثاً عن التقدم، فمن ينسى هويته وموروثه غالباً لن ينتج شيئاً مفيداً. فالنظر للتاريخ يتطلب أدوات منهجية، تقدم التاريخ على أنه تراكم للمنجزات الثقافية وليس تراكماً للانتصارات العسكرية وصراعاً دموياً. يروي المؤرخ الأمريكي المعروف ويل ديورانت في كتابيه «قصة الحضارة» و«قصة الفلسفة» صيرورة التاريخ بالنظر إلى العلماء والفلاسفة والمفكرين على مر العصور، وكيف تتركب الأفكار وينمو وعي البشر شيئاً فشيئاً بفضل جهودهم، لذلك في الثقافة يكمن العامل الجوهري الحقيقي مقارنة بالفرسان والقادة العسكريين، الذين يكونون غالباً مدفوعين بحكم معطيات سياسية في أزمنتهم. في العالم لا يوجد أعداء بالفطرة، هناك مصالح متداخلة بين الشعوب والأفراد، والشعوب الأكثر حظاً من التقدم هي التي تخطط بمنهجية واضحة تقبل المراجعة والقياس والتغيير والتعديل والبناء المستمر.
* مستشار قانوني