استضاف المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي الأربعاء محاضرة حول مدينة القدّس ألقاها الدكتور يوسف النتشه المختص في تاريخ وعمارة القدوس المدّرس بجامعة القدس.

وشهدت المحاضرة حضور عدد من السفراء العرب المعتمدين لدى البحرين وتواجد المهتمين بقضية القدس وقضايا العمارة التراثية العربية.

ورحّبت الدكتور شادية طوقان مديرة المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، نيابة عن الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة مجلس إدارة المركز، بالحضور وبالدكتور النتشه قائلة: "هذه هي المحاضرة الثانية ضمن سلسلة محاضرات المركز لتسليط الضوء على المدن العربية المسجلة على قائمة التراث العالمي الإنساني لمنظمة اليونيسكو". وأشارت الدكتورة طوقان إلى أن الدكتور النتشه هو ابن مدينة القدس ويعد من أبرز المؤرخين المعمارييين في فلسطين وفي المدينة.



بدوره شكر الدكتور يوسف النتشه البحرين شعباً وقيادة على اهتمامها بقضية فلسطين وبمدينة القدس، مشيراً إلى أن القدس قضية تستقر في الوجدان العربي، مستدلاً على ذلك بالقول: "نحن نجلس هنا على بعد آلاف الكيلومترات عن القدس، إلا أننا نستحضرها في وجداننا وفكرنا في هذه اللحظة". وأوضح أنه لا يمكن اختصار تاريخ وعمارة وتراث مدينة القدس في محاضرة، مشيراً إلى أن المدينة تمثّل مسيرة إنسانية طويلة.

وبداية تطرّق الدكتور يوسف النتشه إلى جغرافية المدينة القديمة فأشار إلى أنها تقع على مساحة تقدّر ب 1 كيلومتر مربع فقط، إلا أنه استدرك بالقول: "عراقة القدس لا تقدّر بمساحتها، بل بما تحتويه من غنى أثري، فهي تتكون من طبقات تاريخية عديدة". واستطرد: "المدينة تتميز بموقع متوسط من فلسطين، وفلسطين تتمتع بموقع متوسط من الحضارات القديمة"، موضحاً أن هذا من أهم أسباب التنوع الحضاري الذي يوجد في القدس.



وحول تاريخ القدس أكد الدكتور يوسف النتشه أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى تزييف الحقائق التاريخية عبر الاعتماد على الروايات التي تنسب المدينة للديانة اليهودية وتأسسيها حوالي 1000 ق.م، إلا أن الدكتور النتشه أكمل حديثه بالقول: "إن الرواية التاريخية التي تعتمد على الأدلة والبراهين الحقيقية تقول إن المدينة تأسست قبل ذلك بكثير"، موضحاً أن الاحتلال الإسرائيلي يصر على الرواية الدينية غير الموثّقة من أجل انتزاع حق الفلسطينيين والعرب في المدينة.

وحول الأهمية الروحية لمدينة القدس قال الدكتور النتشه إن أغلبية غير المختصين حول العالم يجمعون على قدسية المدينة، فالرواية المسيحية التاريخية تعطي المدينة بعداً توحيدياً بعد اعتماد المسيحية في القرن الثالث ديناً رسمياً للدولة وعليه تم إنشاء كنيسة القيامة. كما أن الإسلام يرفع من شأن المدينة عبر تسمية المسجد الأقصى كقبلة أولى للمسلمين وكون القدس موقع الإسراء والمعراج، كما أن خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب أعطاها أهمية حين فتحها سلماً، حيث أعطى جميع سكّأنها حق وحرية التعبّد على كل مستعمريها الذي عملوا على تدميراها كلياً أو جزئياً منذ نبوخذ نصّر وصولاً إلى القائد الروماني تيطس والغزو الفارسي وحتى الحملات الصليبية.



وتساءل الدكتور يوسف النتشه: "من الذي بنى مدينة القدس؟"، وألحق سؤاله بالإجابة حيث قال: "القدس عبارة عن تراكمات معمارية من حضارات كثيرة أنتجت مدينة تمتاز بالبساطة والجمال"، وأشار إلى أن التخطيط العمراني للمدينة روماني ولكن لا يمكن مشاهدة إلى القليل من آثار الرومان ومن سبقهم بسبب تعرض المدينة مرات للهدم والتدمير.

وأخذت المحاضرة الجمهور في جولة في أهم معالم مدينة القدس بداية من الأبواب، كباب العامود، باب دمشق، باب الخليل والأسباط، ثم المسجد الأقصى الذي أكد الدكتور النتشه أنه مجمّع يضم أكثر من 100 مبنى وأهمهما قبّة الصخرة التي تعد أقدم مبنى إسلامي قائم، ثم عرج إلى مجمّع كنيسة القيامة وما فيه من مبانى مختلفة تعد قبلة الحج الأولى للمسيحيين حول العالم.



وتوقّف الدكتور النتشه في محاضرته عند تعريف الحاضرين بالتحديات التي واجهتها المدينة وما زالت تواجهها تحت سطوة الاحتلال، حيث تعرض المسجد الأقصى للحرق عام 1969م، والحفريات الإسرائيلية تحت مدينة القدس والمستمرة منذ 40 عاماً وهدم حي المغاربة والسيطرة على حائط البراق، إضافة إلى تعرّض الفلسطينيين في المدينة للمضايقات من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء التنقل والدخول والخروج من المدينة وإغلاق المسجد الأقصى أمام عدد كبير منهم.

وختم الدكتور بالإشادة بالرعاية الملكية الأردنية السامية والمقدسات الإسلامية المسيحية وبالوصاية الهاشمية المستمرة للمسجد الأقصى بوجه خاص ومدينة القدس يوجه عام وذلك عبر تنفيذ مشاريع عمرانية عديدة، كما أشاد بجهد الصندوق الهاشمي المخصص لرعاية القدس عبر إشراف وزارة الأوقاف الأردنية ومديرية الأوقاف العامة وشؤون المسجد الأقصى المبارك في القدس، وبالتعاون الكامل مع السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس.