* بقلم: الدكتورة جواهر شاهين المضحكي

الرئيس التنفيذي لهيئة جودة التعليم والتدريب

لم يكن العام 1919، إيذانًا بانطلاق التعليم النظامي في البحرين، عبر تأسيس صرح الهداية الثانوية الخليفية فحسب؛ بل كانت نهضة تعليمية وثقافية واعدة، استطاعت البحرين من خلالها، وبمبادرات روادها الأوائل أن تحقق الريادة في التعليم النظامي، ولتكون مدرسة الهداية مركزًا للمعرفة والتنوير والثقافة، أخرج جيلا من الرموز الوطنية التي ساهمت في كتابة تاريخنا التعليمي والتنويري عبر قرن من الزمان.



تلك الريادة تبعها اهتمام متواز ومبكر بتعليم الإناث، حيث كان تأسيس أول مدرسة نظامية للبنات في العام 1928، لتستمر المسيرة بتأسيس المدارس الخيرية الأهلية في ثلاثينيات القرن الماضي، متبوعةً بتأسيس التعليم الصناعي، حتى تشكّل مجلس المعارف لاحقا في العام 1956، ثم المعهد العالي للمعلمين والمعلمات بين عامي 1966-1967، فكلية الخليج الصناعية للتعليم الفني والمهني في العام 1968.

بعدما استقلت مملكة البحرين، تم تسمية وزارة التربية والتعليم في العام 1971، لتُبحر مملكتنا في مرحلة التعليم النظامي المدرسي، متبوعًا بالجامعي في ثمانينيات الألفية السابقة.

في العام 2002، كان للبحرين موعدٌ مع التاريخ لم تُخلِفْهُ، حيث المشروع الإصلاحي لسيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه، حيث انطلقت مبادرات إصلاح التعليم والتدريب، والذي أعاد رسم مستقبل البحرين تعليميًّا، ثم وهب هيئة جودة التعليم والتدريب الفرشاة لتشكّل هذا المستقبل، بمسئولية وأمانة تحمل على عاتقها بناء جيل يرفع اسم البحرين في جميع المحافل الإقليمية والدولية.

بخطوات ثابتة، نهضت مبادرات إصلاح التعليم إثر ورشة تشخيص واقع منظومة التعليم التي عُقدت في قصر القضيبية في العام 2005، وتم على إثرها وبقرار من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين تشكيلُ مجلس إدارة مشروع إصلاح التعليم والتدريب برئاسة سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء، الذي زُرعت الهيئةُ ورَبتْ ونَمتْ تحت عينيه، وكان لها خيرَ حافظٍ.

ليأتي بعدها إقرار خطة إصلاح التعليم والتدريب في المملكة، والبدء في مرحلة التنفيذ في العام 2006، ليتم بعدها بعام واحد تدشين وتنفيذ المشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب في مدرسة الهداية الثانوية الخليفية، وما زال التاريخ حاضرا، فمنها كان الانطلاق، ومنها كان النهوض مرة أخرى.

لقد شرعت هيئة جودة التعليم في تحمّل مسؤولياتها الوطنية مع بداية المراجعات التجريبية في العام 2007، لتنتقل في العام التالي إلى مرحلة إنشائها وتنظيمها كهيئة لضمان جودة التعليم والتدريب، وتبدأ مرحلة العمل والبناء بعد استكمال المراحل التجريبية وقراءة الميدان بصورة ميدانية ومهنية شاملة، رسمت لنا صورة الواقع والمطلوب، كما كانت كافية لمعرفة التحديات وكيفية تجاوزها بتفوق يليق بسمعتها ومكانتها.

لقد كان العام 2009، البداية الحقيقية للانطلاق، حيث تشرفت هيئة جودة التعليم والتدريب بتدشين مقرها في ضاحية السيف، كما شهدت تشكيل أول مجلس إدارة للهيئة برئاسة معالي الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء، والذي دفع بالهيئة ليكون لها الدور الفاعل والمأمول، حيث شهدت في عهد معاليه - مع جهود ثمينة وغالية من بقية أعضاء مجلس الإدارة الموقَّرين - وضع أنظمتها وقوانينها التنظيمية، ولوائحها الإدارية والمالية، وأطر العمل لكافة مهماتها الموكلة إليها.

نعم، لا تزال الطريق طويلةً، لكن "فريق البحرين" في هيئة جودة التعليم والتدريب لديه الكثير ليحققه في هذا الميدان، والهيئة إن تجاوزت 10 سنوات من عمرها، فهي لا تزال في ريعان إنجازها وعطائها بإذن الله.

لقد نجحت الكفاءات البحرينية - التي مثَّلت الهيئة واكتسبت الثقة العالية محليًّا ودوليًّا - في اجتيازها التقييم الخارجي لضمان الجودة الذي أجرته الشبكة الدولية لضمان جودة التعليم العالي (INQAAHE )، وأصبحت محط ثقة كبيرة لعقد أكبر مؤتمرات الجودة في التعليم عالميًّا، حيث استكملت الهيئة حلقاتها بتوقيع عدد من اتفاقيات ومذكرات التفاهم الإقليمية والدولية المؤثرة، والتي لم تنحصر منفعتها على الهيئة وإداراتها المختلفة فقط، بل أتاحت لجميع الشركاء الولوج إلى ميدان جودة التعليم عبر المراجعات المختلفة التي تنفذها الهيئة بالتواصل والتعاون التام مع الشركاء بشكل تطبيقي، ونظريًّا عبر المشاركة في المؤتمرات والمنتديات التي تنفذها بصورة دورية.

لقد آمنت الهيئة بأن عملها المهني، وكونها جهة مستقلة لتقييم جودة أداء التعليم والتدريب، لا يعني بأنها تعمل وحدها، لذلك كان التزامها برسالة التواصل التام مع الشركاء، وتعزيز مؤسسات التعليم والتدريب برفع كفاءتها وإنجاح مهمتها، هو أفضل الطرق لتحقيق الأهداف التي تأسست الهيئة من أجلها.

هي مسئولية وأمانة، وستواصل الهيئة سعيها لتقديم كل ما تستطيع من خبرات وقدرات علمية ومهنية لجميع الشركاء؛ لأن الهدف أكبر من التقييم والمراجعات، ولا يمكن تشكيل مستقبل البحرين ونهضتها التعليمية إلا بالتكاتف بين الجميع.

لقد تبلورت الفكرة من مبادرة إلى مشروع وطني تفتخر به الأجيال، هدفه تطوير التعليم والتدريب، وهمُّه صنع نموذج لتعليم نوعي ذي جودة عالية.

نعم لقد كان العمل شبيها بعزف الأوركسترا، فجميع الأصوات يجب أن تشارك في عزف لحن جودة التعليم، ولكن لا يمكن بلوغ الجمال في اللحن، والكلام، والمعنى دون وجود مايسترو يربط ويوجه جميع ما سبق بإتقان ومهارة تسر السامعين، لذا كانت هيئة جودة التعليم والتدريب.

نعم لقد نجحت الهيئة التي نحتفل هذه الأيام بمرور 10 سنوات على تأسيسها؛ في إحداث تغييرات كبيرة في مفهوم جودة الأداء في المؤسسات التعليمية والتدريبية في المملكة، بل في ثقافة المجتمع ومعرفته نحو البحث عن تعليم أفضل لأجيال المستقبل.

لابد للغرس الصادق الذي كان بذرة من بذور مشروعات الإصلاح والتطوير التي زرعتها ورعتها قيادة الوطن ممثلة في سيّدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وبمتابعة حثيثة من حكومتنا الرشيدة بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء الموقر، ومن خلال مظلة رؤية مملكة البحرين الاقتصادية 2030، التي قادها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد، نائب القائد الأعلى، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، لا بد لذلك الغرس أن يؤتي ثماره اليانعة ليجمّل الوطن بأشجار ناضرة، مازالت تُسقى بماء الجد والاجتهاد وحب البحرين.

تفتخر الهيئة بجميع روّادها، وكفاءاتها، وقياداتها، وموظفيها، الذين ضحوا بأوقات وجهود؛ من أجل صناعة هذا النموذج البحريني الأصيل.

تفتخر الهيئة بجميع رؤساء وأعضاء مجالس إداراتها المتعاقبة، الذين لم يتوانوا لحظات في البذل، والعطاء المخلص والمتقن؛ من أجل سمعة البحرين.

تفتخر الهيئة بشركائها من مؤسسات تعليمية وتدريبية، وبجميع المعلمين وأبنائنا الطلبة والطالبات في جميع مراحلهم التعليمية، فهذا الغرس لم ينشأ إلا لتمهيد طريق التميز والنجاح لهم.

لقد بدأت قصة النجاح قبل عقد من الزمان، ولا تزال تُكتب وتُروى حيث تشكّل مستقبل التعليم والتدريب في وطننا الحبيب.. مملكة البحرين.

· المقال بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس هيئة جودة التعليم والتدريب.