محرر الشؤون المحلية

أكد مختصون في علم الفلك وباحثون في العلوم الشرعية أن الزبارة تحولت لوجهة علمية في المنطقة بفضل الرؤية الإستراتيجية التي تبنتها الدولة الخليفية لتعمير الزبارة عمرانياً وعلمياً.



وقالوا: «إن التقويم الفلكي الموحد المعروف بـ«روزنامة الزبارة والبحرين» كان أحد أهم التقاويم الصحيحة في تلك الفترة في ظل الإمكانات المتاحة». لافتين إلى أهمية هذا المرجع العلمي الذي يوثق صوراً من صور نهضة الزبارة العلمية.

ورأوا أن الحركة العلمية والثقافية في الزبارة في تلك المرحلة التاريخية المهمة كان لها أثر كبير في تطوير النهضة العلمية بشبه الجزيرة العربية.

وقال رئيس الجمعية الفلكية البحرينية البروفيسور وهيب الناصر: «إن بعد نظر الدولة الخليفية ونظرتها المستقبلية للتطوير والتنمية جعلتها تركز على التنمية العمرانية والمعرفة لتحقيق النهضة بالزبارة».

وأضاف:«بعد أن حققت الدولة الخليفية الأمان الاجتماعي في شبه جزيرة قطر وجرز البحرين وتوابعها ووفر الشيخ محمد بن خليفة الكبير كل عوامل استقرار المجتمع أخذت الدولة الخليفية في بناء النهضة العلمية واستقطاب العلماء وطلاب العلم، وهو ما صنع تاريخاً علمياً لمنطقة الزبارة وتجلت ثمرة اهتمام الدولة الخليفية بالمعرفة والعلوم الشرعية والإنسانية في توافد العلماء وطلاب العلم على الزبارة من مختلف الأمصار».

وقال الناصر : «إن الشيخ محمد بن خليفة الكبير كان له اهتمام خاص بالعلم والثقافة والشعر وقد كانت رعايته واضحة للعلم والمعرفة وهو ما انعكس على المخرجات العلمية التي شهدتها الزبارة في ظل رعاية الدولة الخليفية».

«روزنامة الزبارة»

وقال الناصر:«من أبرز مخرجات النهضة العلمية في الزبارة صدور أول تقويم فلكي موحد بين البحرين والزبارة والذي عرف باسم «روزنامة الزبارة والبحرين»، على يد الشيخ محمود بن عبدالرحمن عام 1297 للهجرة الموافق 1880 ميلادياً أي قبل قرابة 140 عاماً وفي وقت لم تكن تعرف فيه التكنولوجيا والمراصد التي تستخدم في إجراء الحسابات الفلكية الدقيقة».

وبين: «تعد الروزنامة الصادرة آنذاك أقدم وثيقة محلية علمية تؤكد استكمال عملية التعمير في عهد الشيخ خليفة من محمد آل خليفة، بعد عهد والده المؤسس الشيخ محمد بن خليفة الكبير».

وبين الناصر: «لم تكن النهضة التي بنتها الدولة الخليفية في الزبارة محصورة في النهضة العمرانية والعسكرية فقط، بل شملت الناحية العلمية فأنشئت المدارس وحظيت العلوم بمزيد من الاهتمام بدءاً من العلوم الشرعية والفرائض وصولاً إلى الأدب والشعر مروراً بالفلك وعلم المواقيت والحساب وحولت النظرة الإستراتيجية للدولة الخليفية الزبارة مركز إشعاع فكري وثقافي بالمنطقة».

وعن أهمية التقويم الموحد يقول الناصر: «امتاز التقويم الموحد أو ما يعرف بروزنامة الزبارة والبحرين بأنه جمع بين مواقيت الصلاة والمناسبات الدينية فخط الطول بين جزر البحرين والزبارة لا يزيد عن درجة واحدة وهي لا تزيد عن 4 دقائق تقريباً بحسب التقديرات في تلك الفترة ويعد تقويم «روزنامة الزبارة والبحرين» أحد أهم التقاويم الصحيحة لأقرب تقدير في زمانه».

وأكد الناصر أن نهج الاهتمام بالعلماء ودعم العلم ظل مستمراً في الدولة الخليفية بعد الشيخ محمد بن خليفة الكبير، وقال: «إن الأدلة التاريخية تثبت أن الدولة الخليفية اهتمت بإنشاء المدارس وصناعة نهضة علمية غير مسبوقة في المنطقة». مشيداً بالمعلومات التاريخية المضمنة في فيلم الوطن الوثائقي حول النهضة العلمية في الزبارة في ظل الحكم الخليفي.

الحركة العلمية بالزبارة

من جانبه رئيس قسم الفيزياء بجامعة البحرين وعضو مجلس إدارة الجمعية الفلكية البحرينية الدكتور محمد العثمان: «إن إصدار أول تقويم فلكي في تاريخ شبه جزيرة قطر على يد السيد عبدالرحمن بن أحمد الزواوي المالكي والمعروف باسم «روزنامة الزبارة» كان إيذاناً بميلاد مرحلة جديدة من الحركة العلمية في الزبارة».

وأضاف: «أسس الشيخ محمد بن خليفة الكبير قاعدة للمنجزات العلمية باستقطابه العلماء وطلاب العلم من مختلف الأمصار كالإحساء ونجد والحجاز والزبير والبصرة».

وبين العثمان: «احتضنت البصرة مجموعة كبيرة من العلماء، أمثال الشيخ عثمان بن جامع الأنصاري الخزرجي والشيخ السيد عبدالرحمن بن أحمد الزواوي المالكي وهو الأمر الذي انعكس على مكانة الزبارة العلمية وجعل منها قبلة يسعى إليها العلماء وطلاب العلم».

وتطرق العثمان إلى وقف الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة على مدرسة الشيخ أحمد بن عبدالرحمن بن محمد بن عبداللطيف الشافعي بالزبارة عام 1195هـ( 1781م) والذي يحتوي مجموعة من الكتب العلمية، معتبراً أنه يعكس اهتمام الدولة الخليفية بدعم العلم والعلماء. واعتبر العثمان أن الحركة العلمية والثقافية في الزبارة في تلك المرحلة التاريخية المهمة كان لها أثر كبير في تطوير النهضة العلمية بشبه الجزيرة العربية.

وأشاد العثمان بفيلم الوطن الوثائقي حول النهضة العلمية في الزبارة في ظل الحكم الخليفي، لافتاً إلى أن مثل هذه الأفلام الوثائقية من شأنها أن تسلط الضوء على إنجازات تاريخية مهمة وحقبة تاريخية شهدت إنجازات للدولة الخليفية غير مسبوقة.

من جانبه قال الباحث في الفقه وأصوله الشيخ محمد فلامرزي: «إن بناء أي نهضة عمرانية وحضارة تاريخية يجب أن يسبق ببناء الإنسان وتأهيله علمياً، وهو ما التفت إليه الشيخ محمد بن خليفة الكبير حين أسس الزبارة فبدأ بتهيئة البيئة العلمية بعد أن أسس لأركان الدولة أمنياً واقتصادياً واجتماعياً».

وأضاف:«إن بناء الأوطان لا يعتمد على الإمكانات المادية فحسب بل للعلم والتعلم الدور الكبير في نهضة الأمم، وهو ما تحقق في الزبارة عندما ركزت الدولة الخليفية على تأسيس نهضة علمية رصينة عتادها العلماء وطلاب العلم ودعم الدولة».

وأكد فلامرزي أن الدولة الخليفية حصنت شبه جزيرة قطر وجزر البحرين وتوابعها ببناء قلاع غير مسبوقة ووفرت الأمن البحري لحركة التجارة في المنطقة وأسست بنية علمية رصينة في منطقة الزبارة لإيجاد حالة من التنمية المتوازنة وصناعة نهضة عمرانية علمية.

ونوه فلامرزي إلى أن الأحداث والوثائق التاريخية تؤكد أن الزبارة شهدت نقلة نوعية في مستوى المعرفة في الزبارة، وهناك العديد من المؤلفات التي صدرت عن أعلام الزبارة.

واستشهد فلامرزي بما ذكره ابن خلدون في مقدمته بأن العلم والعمران متلازمان، حيث يتجدد العلم كلما ظهرت حاجة للناس في النهوض بالعمران، وليتعلموا لينهضوا ويصنعوا ويخترعوا وينطلقوا في ميدان العلم والعمران في خطين متوازيين، وقال: «إن الدولة الخليفية استطاعت خلق نهج متوازن ومتوازٍ يجمع العلم والعمران، ولعل بعض الحقائق التاريخية التي بينتها سلسلة أفلام الوطن الوثائقية في الثلاثة أجزاء التي بثت تبين مراحل من النهضة العمرانية والعسكرية والعلمية.

من جانبه تطرق الشيخ عبدالله المناعي خطيب جامع الخالد إلى أهمية العلم وأثره في حياة الفرد وكيف تعاملت الدولة الخليفية مع هذا الأمر باحتضان العلماء من مختلف الأمصار وجعل الزبارة مقصداً للعلماء وطلاب العلم. وقال: «إن الزبارة أصبحت في ظل سيادة الدولة الخليفية محطة مهمة في المنطقة وبوابة علمية تنويرية يقصدها كل من يرغب في المعرفة والثقافة».

وأضاف: «إحدى الركائز المهمة لدى المجتمع توفير الأمن والاستقرار والحياة الكريمة والعلم والمعرفة وهو تماماً ما قامت به الدولة الخليفية في الزبارة؛ فقد حصنتها بسلسلة من القلاع لحماية أمنها وتوفير الحماية اللازمة للحركة التجارية، ثم اتجهت لتأسيس المدارس والمساجد لتكون منارات علمية في المنطقة وتحتضن العلماء وطلاب العلم من كافة الأمصار، ويكفي المثل المتداول الذي يعكس النهضة الكبيرة التي شهدتها الزبارة في ظل الدول الخليفية وهو: «خراب البصرة عمار الزبارة»، معتبراً أن هذا المثل يتلمس الواقع في تلك الحقبة التاريخية ويعكس حالة التنمية في الزبارة».

وبين المناعي: استطاع الشيخ محمد بن خليفة الكبير أن يجعل من الزبارة وجهة للعلماء وطلاب العلم والأفراد بتهيئة الأجواء العلمية والاجتماعية والاهتمام بمناهل العلم.

وتطرق المناعي إلى أحد صور دعم العلم والعلماء وقال:«إن وقف الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة كتباً علمية على إحدى المدارس بالزبارة هو اهتمام بالحركة العلمية ودعم للعلماء وطلاب العلم، وهو ما يعطي صورة عن كيفية تعامل حكام الدولة الخليفية مع العلم والعلماء».

وشدد الشيخ المناعي على أن اعتناء الحاكم بالعلم والعلماء هو أحد أهم وظائف الحكم، لأنه الركيزة الأساسية في تحقيق مصالح الناس، وهذا الأمر يظهر بوضوح في اهتمام الدولة الخليفية بالعلم والمعرفة والثقافة.

واستعرض المناعي صدور أول تقويم فلكي في تاريخ شبه جزيرة قطر والذي وضع على يد الشيخ محمود بن عبدالرحمن وعرف باسم «روزنامة الزبارة»، وأما عن«روزنامة الزبارة والبحرين» فقال المناعي :«إن التقويم الموحد الذي جمع بين البحرين والزبارة كان أحد مظاهر التنمية العلمية والمعرفية في المجتمع في تلك الفترة».

وأضاف المناعي: «إن الحركة التنموية التي شهدتها الزبارة في ظل سيادة الدولة الخليفية كانت مبنية على نظرة بعيدة المدى ورؤية إستراتيجية تهدف لجعل الزبارة وجهة يقصدها التجار والعلماء وطلاب العلم وعموم الناس وهو ما تحقق بما بنته الدولة الخليفة من إرث حضاري وعلمي مستنير في الزبارة».