قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن السعودية الدولة الوحيدة على الأرجح التي ستخرج من الجائحة، الأقوى اقتصادياً وجيوسياسياً.

وأضاف التقرير الذي كتبه الخبير العالمي جايسون بوردوف، المدير السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي ومساعد خاص للرئيس باراك أوباما والمدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية في كلية جامعة كولومبيا، ونشرته مجلة "فورين بوليسي"، إنه انخفض في الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط في العالم، عدد حفارات التنقيب عن النفط بنسبة 50% في شهرين فقط، وربما يعاني حوالي 40% من منتجي النفط والغاز من وضع عسير خلال عام 2020، بينما تشير التوقعات إلى أن نحو 220.000 عامل في مجال النفط سوف يفقدون وظائفهم حول العالم.

وتابع: "أسعار النفط المنخفضة مؤلمة بالطبع لبلد يحتاج إلى حوالي 80 دولاراً للبرميل من أجل توازن ميزانيته العامة، وهذا هو السبب في قيام مؤشر مودي بتخفيض التوقعات المالية للسعودية يوم الجمعة الماضي، وسجلت السعودية عجزاً قدره 9 مليارات دولار في الربع الأول من عام 2020. كما شهدت السعودية، مثلها مثل الدول الأخرى، انخفاضا في الإيرادات الضريبية لأنها تفرض قيوداً اقتصادية لوقف تفشي الجائحة. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير المالية السعودي، إن الإنفاق الحكومي سيحتاج إلى "خفض عميق" كما سيتم تأجيل بعض أجزاء خطة رؤية المملكة 2030 لتنويع مصادر الدخل الاقتصادي".



وقال: "على عكس معظم الدول الأخرى المنتجة للنفط، فإن السعودية ليس لأن لديها احتياطيات مالية فقط بل أيضاً لديها القدرة الواضحة على الاقتراض".

وتابع: "سينتهي الأمر مع السعودية بارتفاع عائدات النفط وحصولها على حصة أكبر من سوق النفط بمجرد استقرار السوق، وذلك بفضل تخفيضات الإنتاج والإغلاق الذي تسبب بتراجع الاقتصاد العالمي. ويؤسس الوضع النفطي الحالي لطفرة أسعار في السنوات المقبلة، مصحوبة بازدهار في الإيرادات للسعودية. وفي حين أن التوقعات بشأن الطلب المستقبلي على النفط غير مؤكدة إلى حد كبير، بمجرد أن تتطلع إلى ما بعد الأزمة الحالية، فإنه من المرجح أن ينمو الطلب بشكل أسرع من العرض".

وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية عودة الطلب العالمي على النفط إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول نهاية عام 2020.

وفي الواقع، حيث إن جائحة كورونا تمهد الطريق لتشديد أسواق النفط وارتفاع الأسعار، فإن السعودية، إلى جانب عدد قليل من دول الخليج الأخرى وروسيا، لن تستفيد من الأسعار المرتفعة فحسب، بل ستجد في الواقع فرصاً لزيادة حصتها في السوق وبيع المزيد من النفط. حتى الآن، مع انخفاض الأسعار بشدة، تناقش السعودية والكويت جلب المزيد من النفط إلى السوق من حقل مشترك يمتد على حدودهما.

وربما يجد أعضاء أوبك الأكثر ضعفاً أن هناك صعوبة من الناحية الاقتصادية في الاستثمار في إعادة تشغيل وصيانة العرض (ناهيك عن زيادته) وبالتالي سيشهدون تباطؤا في نمو الناتج. ويعد هذا هو بالضبط ما حدث في إيران والعراق ونيجيريا وفنزويلا بعد أزمة انهيار أسواق النفط 1998-1999، فمن خلال دعم تحالفها مع الولايات المتحدة وإعادة تأسيس نفسها كمنتج للنفط المتأرجح، عززت السعودية موقعها الجيوسياسي.

وأخيراً، عززت السعودية مكانتها الجيوسياسية من خلال دعم تحالفها مع الولايات المتحدة وإعادة تأسيس نفسها كمنتج متأرجح لسوق النفط العالمية. مع تدافع المنتجين والمستهلكين الرئيسيين لمنع زيادة المعروض من النفط من الضغط على مرافق التخزين في العالم، تم اللجوء مؤخراً إلى السعودية لقيادة أوبك والمنتجين الرئيسيين الآخرين إلى خفض تاريخي للإنتاج.

ويعد الاتصال بالرياض هو الخيار الحقيقي الوحيد المتاح لصانعي السياسات في نهاية المطاف، كما كان عليه الأمر منذ فترة طويلة. وذلك لأن السعودية كانت الدولة الوحيدة الراغبة منذ فترة طويلة في الاحتفاظ بتكلفة ذات مغزى من الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تسمح لها بإضافة أو طرح الإمدادات من أو إلى السوق بسرعة.

إن هذا الموقف الفريد، الذي أصبح واضحاً بجلاء للعالم مرة أخرى، لا يقتصر على منح المملكة قوة على مستوى سوق النفط العالمية فحسب، بل يمنحها أيضاً تأثيراً جيوسياسياً كبيراً. وفي السوق العالمية، سيظل هذا المقام صحيحاً حتى تستخدم الدول كميات أقل من النفط، والذي لا يزال يمثل هدفاً مهماً لسياسة المناخ.

وقبل بضعة أسابيع فقط، بدت التوقعات قاتمة بالنسبة للسعودية. ولكن بالنظر إلى بضع سنوات، من الصعب رؤية المملكة في أي شيء آخر غير موقف قوي. وربما ينتهي الأمر في أن تتسبب جائحة كورونا في تحقيق ما لم يتمكن القادة السعوديون القيام به من قبل، عندما تركوا أسعار النفط تهوي في أواخر عام 2014 في محاولة لإضعاف إنتاج النفط الصخري الأميركي.

وبعيداً عن الأزمة الحالية، ستنتهي هذا الجائحة بتعزيز الوضع الجيوسياسي للسعودية، وتعزيز دورها المحوري في أسواق النفط، وبذر البذور لحصة أكبر في السوق وعائدات النفط في السنوات المقبلة.