العرف السائد بأن غالبية الناس لا تحب علوم القواعد والنحو والصرف والعروض، وقليلون فقط الذين تستهويهم عملية الإعراب بالأخص الإعراب الدقيق الذي يحولونه إلى هواية، وهم في ذلك حالهم كحال محبي الرياضيات والمعادلات المعقدة.

وسط ذلك، تظل مسألة «اصطياد» الضمائر في عملية الإعراب -رغم سهولتها- ممتعة وتتطلب فناً، كذلك المستخدم لجهاز دقيق لكشف المعادن الثمينة، بالتالي يكتشف أنواع الضمائر، سواء أكان متصلاً أم منفصلاً، للمتحدث أو للمخاطب أو للغائب، ضمائر رفع أو نصب أو جر، ضمير ظاهر أو مستتر.

بيد أن الخوف من ذاك الضمير «المستتر»، بل الأدهى من الشخص المرمز إليه كصاحب «ضمير مستتر تقديره مات»!

مشكلتنا في المجتمعات التي تعاني من مشاكل إدارية تكمن في الضمائر! نعم وفي الضمائر المستترة التي هي في حكم الميت، رغم أن المفارقة تكشف أحياناً وجود ضمائر ظاهرة لكنها في حكم الميتة أيضاً.

الإخلالات الإدارية في العمل، التجاوزات، الهدر المالي، السرقات والاختلاسات، النصب والاحتيال، الاستخدام الخاطئ للمنصب والنفوذ، المحسوبية، الواسطة، ظلم الناس، اختلال ميزان العدالة، التمييز، أكل الحقوق، الظلم وغيرها من صفات مقيتة سقيمة، كلها نتاج تفشي ظاهرة الضمائر المستترة الميتة في التقدير.

وعليه لإصلاح أي عطب، لإنهاء أي خلل، ولإحداث الفارق الإيجابي فإننا نحتاج لأصحاب ضمائر ظاهرة والأهم حية التقدير.

لا أصدق بأن صاحب ضمير حي يخاف الله فيه يمكنه أن يظلم أو يسرق أو يتجاوز، فمكارم الأخلاق والصفات الطيبة لا تحتاج لرقابة أناس أو فرض أوامر أو توجيه، بل صاحب الضمير الحي هو الرقيب الأول بعد الله على التصرفات والأفعال.

نصادف كثيراً في حياتنا جملاً مستخدمة توجه لمن يمارس الخطأ، يقول له -من يمتلك الشجاعة والجرأة في الحق- ما معناه أن «خل عندك ضمير»!

وهي بقدر ما تكون تعبيراً للانتقاد والملامة بقدر ما هي دعوة لاستذكار ما جُبل الإنسان عليه من خير وطيبة. بالتالي من هم نجوم تمشي على الأرض، ومن هم المستحقون لوصفهم بأنهم نماذج في الإصلاح والعدالة والتطوير هم أولئك الذين يعملون وضمائرهم حية وظاهرة.

ما أحوجنا اليوم لإحياء الضمائر، ما أحوجنا بأن تكون لدينا قناعة راسخة بأن أصحاب الضمائر الميتة هم عبء على أي بلد وهم العصي التي تدخل في عجلة الإصلاح فتعطلها.

عافانا الله وإياكم، ورزقنا ضمائر حية نزيهة لا ترخص ولا تغيب ولا تستتر، والأهم لا تموت.