لا أذكر تحديداً متى كان أول حوار لي معه لكني أذكر جيداً مدى الأثر الثقافي الكبير الذي لامسته وأنا أحادثه لأول مرة لأخذ تصريح صحفي منه عندما كان عضواً لمجلس الشورى وقتها، لقد كان واضحاً أن لديه ميولاً واهتمامات ثقافية وأدبية، فالمصطلحات والكلمات التي كان يقولها خلال التصريح الصحفي لأي قضية وطنية كانت تعكس أن من أمامي قارئ نهم وعقلية مثقفة جداً ومتمكنة خطابياً، وكانت معظم تصريحاته الصحفية عند أخذها بالهاتف وبعد تدوينها لا تحتاج إلى إعادة صياغة أبداً أو جهد كبير لإيصال فكرة الكلام.

كان معالي الدكتور الشيخ خالد بن خليفة بن دعيج آل خليفة رحمه الله نائب رئيس مجلس الأمناء والمدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي ورئيس مجلس أمناء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي رمزاً وطنياً مهماً، فهو يجمع بين الشخصية القيادية والقدرات الفردية المتمثلة في طلاقة اللسان وقوة الكلمة والحضور والثقافة الواسعة الأبعاد والقدرة على استطراد المعلومات وربط آرائه بالشواهد الحاضرة، كما كان ما يميزه عن البقية أنه يسترسل في شرح أبعاد القضايا والقوانين بطريقة لافتة ومميزة، ما يعكس تمكنه القيادي للمناصب التي يشغلها وإجادته فهم الذهنية البحرينية واللغة الصحفية المطلوبة، عندما كنت أغطي جلسات مجلسي النواب والشورى وأتصل به لأخذ تصريح صحفي كان يقول فور رده: «شنو موضوعج اليوم؟ وإن شاء الله أقدر أفيدج فيه». ورغم علمه الغزير وثقافته الكبيرة، لكنه كشهادة حق كان متواضعاً جداً رحمه الله ولم يحصل يوماً أن اعتذر لنا عن عدم التصريح وإذا كان الوقت غير مناسب كان يطلب إعادة الاتصال لاحقاً، وإذا ما حصل واتصلنا عليه ولم يرد يقوم بمعاودة الاتصال في وقت لاحق في رسالة عميقة منه أنه يحترم الصحافة البحرينية ويقدرها كثيراً ويدعم الشباب المبتدئين فيها، حيث كنت وقتها في بداياتي الصحفية، كما أن مواقفه هذه كانت تعكس منهجية الشفافية وعدم إيجاد حواجز بينه وبين الصحافة البحرينية وحرصه البليغ على تواجد أعضاء مجلس الشورى وحضورهم في المنابر الصحفية في سبيل خدمة الصالح العام وتعزيز مبادئ المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم حفظه الله في دعم حرية الرأي والكلمة وتمكين الصحافة كسلطة رابعة في الدولة، لقد كان واضحاً أنه يشعر بثقل ومسؤولية مقعده في مجلس الشورى وأنه مهتم بتفعيل حراكه من خلال موقعه لإظهار صورة إيجابية ذات بصمة مؤثرة عن عضو مجلس الشورى وتصحيح أي انطباع خاطئ أنهم بعيدون عن الشارع البحريني ولا يتجاوبون مع الصحافة!

من الحقائق الثابتة عنه أنه كان مكسباً بالتأكيد لأي صحفي أن يحظى بالحصول على تصريح صحفي منه، خاصة وأنه يجسد شخصية مثقفة ولها وزنها الفكري وطرحها القوي، شخصياً كنت أقول إذا جاء ذكر اسمه خلال أحاديث عن المسؤولين في مملكة البحرين وأنماطهم كشخصيات هذا الرجل بحر من الفكر الراقي وعقلية ثمينة جداً في البحرين، فأخلاقه أخلاق الكبار وثقافته الغزيرة وحفظه للتاريخ البحريني وسرده بطريقة مميزة وأسلوبه الراقي خدم مملكة البحرين وأوجد صورة مشرقة وإيجابية عن نوعية قادتنا ومسؤولينا على المستويين الخليجي والعربي، حيث لو صادف أن كنا في ملتقيات خارج البحرين والتقينا بأشخاص يعرفون عدداً من المسؤولين في مملكة البحرين كان في كثير من الأحيان تأتي سيرته كشخصية بحرينية ثقافية مميزة ذات تعامل راقٍ وصدر رحب ومتعاونة مع الجميع. لقد أوجد رحمه الله بصمة مميزة في كل منصب وموقع حل فيه وكان عطاؤه متفرداً وظاهراً على المستويات الإقليمية والدولية؛ لذا لا غرابة أن ينال جائزة البحر المتوسط للثقافة والسلام من المؤسسة المتوسطية في إيطاليا عام 2018 ووسام المؤرخ العربي من العراق عام 1988.

لا يمكن اليوم بعد خبر وفاته رحمه الله ألا تكون في كتاباتنا مساحة لذكر مآثر هذه الشخصية الثقافية المميزة وتخليد مواقفه الإيجابية مع الصحافة البحرينية، رحم الله معالي الشيخ د. خالد بن خليفة بن دعيج آل خليفة وأسكنه فسيح جناته وجعل عطاءه لمملكة البحرين وللثقافة والتاريخ نوراً في قبره.