أفرز الذكاء الاصطناعي تحولات تبدو أكثر صعوبة من التحولات التي تمت في أثناء التحول من الحقبة الزراعية إلى الصناعية؛ فالحقيقة أننا لم نشهد أي تقدم في التنمية بالسرعة التي شهدها تأثير الذكاء الاصطناعي على مجالات التنمية كافة، ولم يعد التفكير في تراجع القدرات البشرية بفعل الأتمتة مجرد مشكلة لأولئك الذين يعملون في التصنيع فقط، حين تم استبدال العمل البدني بالروبوتات، وسيتم استبدال العمل العقلي بالذكاء الاصطناعي، بل من المتوقع أن يصل الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات إلى المستويات البشرية بحلول عام 2029.

نحن لسنا بصدد رؤية مستقبلية فقط، فلم تترك تقنيات الذكاء الاصطناعي مجالاً أو نشاطاً إلا اخترقته؛ ففي المجال التجاري حلت التجارة عالية التردد بواسطة الآلات محل صنع القرار البشري. في التداول وتنفيذ الصفقات وكشف الاحتيال. وتمكنت السيارات من التعلم من تجارب المركبات الأخرى على الطريق وتعديل أنظمة التوجيه الخاصة بها، واستطاعت أجهزة الاستشعار أن تجمع قدراً هائلاً من المعلومات ومعالجتها على الفور ما جعل البرنامج هو المفتاح، وليس السيارة. وتمكنت المدن الذكية من مكافحة الحرائق والاستجابة للطوارئ الطبية، والتخطيط البيئي، وإدارة الموارد، واستخدام الطاقة. واستطاعت هذه التقنيات إجراء التشخيصات الطبية بالدقة نفسها التي يتسم بها خبراء الطب المشهورون عالمياً.

كما نال مجال الدفاع الوطني بالنسبة للدول حول العالم نصيباً كبيراً من هذه التطبيقات، إذ عمل على تسريع العملية التقليدية للحرب، ولذلك تم صياغة مصطلح «الحرب الخارقة»، كذلك أصبح إطلاق أنظمة أسلحة ذاتية التشغيل وذكية اصطناعياً قادراً على تحقيق نتائج قاتلة، وهو ما عرف بـ»الحرب المفرطة». وأصبح الاستعداد للحرب الفائقة والدفاع عن الشبكات الإلكترونية له أولوية قصوى لدى الدول الكبرى. ويتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في نمو الإنتاج العالمي بنسبة 16% أي ما مقداره 15.7 تريليون دولار، بحلول 2030». وهذا ما دفع الاقتصاديات الكبرى للتصارع نحوها؛ فالصين رصدت 150 مليار دولار للاستثمار في هذا المجال بجانب روسيا وكوريا الشمالية ودول أخرى وجميعها خصصت له موارد مالية كبرى.

إن ما يسعد القلب هو دخول مملكة البحرين بكثافة منذ سنوات في هذا التوجه العالمي من خلال التحول الرقمي وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته سواء في المحاكم أو الزراعة أو الأنشطة والمسابقات الشبابية وعقد القمم العالمية والمنتديات والمؤتمرات الإلكترونية عن العقارات الذكية والمدن الذكية والعمل على إطلاق أول قمر صناعي في ديسمبر المقبل يوظف تقنية الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات والصور الفضائية على متن الأقمار الصناعية، بهدف تحسين جودة التنبؤات والقرارات المستقبلية باعتبار هذه التقنيات الرقمية مصدراً رئيسياً في تحقيق التنمية المستدامة وبما يبشر بمستقبل تقني واعد للمملكة.

* دكتوراه في الإعلام الرقمي