في فترة إجازة العيد طلب مني ابني «ناصر» طلباً بسيطاً حسب مفهومه، وقال «بابا أريد بلايستيشن 5»، وعلى الفور قلت له بأن طلبه مرفوض ولا يمكن تحقيقه، سألني لماذا لا «هل نحن فقراء؟». سؤال مؤلم لأي شخص خاصة لأب يحاول في هذا الزمن أن يوفر أساسيات الحياة لأسرته، ويحاول أن يقدم لهم إضافة بسيطة من الرفاهية.

انتظرت كثيراً حتى أعطي الإجابة على هذا السؤال، فإذا قلت له نعم فكيف حددت ذلك؟ فقط لأني لا أستطيع أن أوفر له جهاز بلايستيشن! أو أي طلب إضافي فيه «ترفيه أو دلع أو استمتاع»، أم أقول له لا لسنا فقراء ولا أستطيع تبرير صعوبة توفير ما يطلبه ابني مني!

لا أعلم حقاً هل نحن فقراء أم لا، ففي عرف البشرية يعرف الفقير بأنه «الشخص الذي لا يملك ما يكفي لتغطية نصف احتياجاته الأساسية»، ولله الحمد لم نصل إلى هذا الحال بعد، فنحن بشكل عام نغطي أهم أساسياتنا طوال الشهر، وإن كنا ننهي الراتب في أول عشرة أيام ثم نبدأ التقشف. وهنا سؤال آخر، ما هي احتياجاتنا الأساسية في هذا الزمن، هل «المأكل والمشرب» فقط؟ هل لدى الناس في أيامنا هموم واحتياجات إضافية غير هذه؟

قد تكون هناك احتياجات تبدو للوهلة الأولى غير أساسية إلا أنها ضرورية أو إلزامية، قد لا يمر شهر من الشهور إلا تظهر لنا مصاريف والتزامات لا يمكن أن نتجاهلها، شهر تأتي فيه بداية المدارس وشهر رمضان وشهر العيد وشهر تأمين وتسجيل السيارة وشهر تظهر فيه مصيبة، وكلها أمور لا يمكن تجاهلها، وهي عبء إضافي على مصدر الدخل المحدود.

هناك من ينصح الناس بجعل جزء من الدخل في التوفير وجزء في الاستثمار وجزء للطوارئ ولا أعلم كيف يمكنهم ذلك! أنا لا أجد في الراتب إلا جزء واحد وهذا الجزء يذهب في الأساسيات والضروريات.

بالمصطلحات الاجتماعية والاقتصادية يسمى أمثالنا الطبقة الوسطى، ومن المفترض أن الطبقة الوسطى بإمكانها تأمين أساسياتها بنسبة 100% مع قدرة جيدة على الدخول في مستوى الرفاهية بين الفينة والفينة، إلا أننا لم نعد نجد في هذه الطبقة الاستطاعة في بلوغ نسب معقولة من احتياجاتها الأساسية، بسبب عدم التوازن بين مستوى الغلاء وارتفاع الدخل، فدخل الفرد فينا لم يتغير منذ أكثر من عشر سنوات ليعادل مصروفاته، مسبباً بذلك تقلصاً ملحوظاً في الطبقة الوسطى.

وأعتقد شخصياً أن هذه المصطلحات الاقتصادية والاجتماعية ستختفي قريباً بسبب عدم الحاجة لها، ليبقى مصطلحان فقط يمكن من خلالهما قياس الفرد والمجتمع وهما «فقير وغني»، ووقتها يمكننا جميعاً الإجابة بسهولة على سؤال «هل نحن فقراء؟».