على الفور سأعدل العنوان أعلاه، إذ بدل «أرسلوا» سأكتب «خذوا» أولادكم للمتحف؛ والسبب بأننا وصلنا لمرحلة اليوم الكثير من البالغين وأولياء الأمور من المهم أن يذهبوا للمتحف مع أولادهم ويطلعوا مجدداً على تاريخنا وإرثنا الغني.

مبعث الكلام بعض القراءات التي قمت بها الأسبوع الماضي في تاريخ بلادنا والحضارات التي مرت علينا منذ قدم الأزمان وصولاً ليومنا الحالي، وحينها تذكرت «متحف البحرين الوطني»، هذا المكان الذي كنا نفرح كـ«طلاب مدارس» في المرحلة الابتدائية وما تلاها من مراحل، حينما يخبرنا مدرسونا بأنهم سيأخذوننا في «رحلة» إلى المتحف.

تخيلوا أن تاريخ البحرين غني وزاخر بكثير من الأمور، وكثير من الأجيال قد لا تعرف تفاصيل مثيرة وعجيبة منه، فما بالكم بأطفالنا الصغار وجيلنا الحالي، والذي من فرط خطورة الالتصاق بوسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة باتت ثقافته تبتعد تدريجياً عن موروثاتهم وتاريخهم، وهذا أمر خطير على تعزيز الهوية الوطنية.

هنا الحق يقال بأن البحرين بذلت الكثير من الجهود، وأسست لكثير من المشروعات والبرامج التي تبرز تاريخنا القديم والحديث، والتي تبين آثارنا الثمينة وتعزز من موروثاتنا، يكفي من جانبنا أن نستفيد من كل ذلك عبر نقل هذه المعرفة لأبنائنا، وأن نعزز نحن أنفسنا من معلوماتنا بشأن ماضينا العريق الذي يجب أن نفتخر به.

كثيرون يعرفون أن البحرين مرت عليها حضارات عديدة، تعرفون أن أحد أسمائها الشهيرة هي «دلمون»، طيب هل تعرفون أصل التسمية؟ ومتى كانت؟ وما هي حضارة دلمون التي وُصفت بأنها «أرض الخلود»؟!

وبعض آخر يعرف بأن البحرين سميت بـ«تايلوس»، فمن أسماها وفي أي زمن؟! وهل ستصدمون حينما تعرفون بأن الاسكندر المقدوني كانت له يد في هذه التسمية؟!

وطبعاً مر عليكم اسم «أرادوس»، وهناك قليل يعرف بأن الاسم أطلقه الرومان على جزيرة المحرق، وتحور مع الزمن ليتحول إلى «عراد» وهي أحد مناطق عاصمتنا القديمة التاريخية! ولحظة هنا، هل يعرف أبناؤكم مثلاً بأن المحرق كانت هي عاصمة البحرين قبل المنامة؟!

هل يعرف بعضكم -قبل أبنائكم- بأن جنكيز خان وهولاكو المغول والتتار وصلت جيوشهم للبحرين وبفارق زمني بين الاثنين يصل إلى ١٠٠ عام كاملة؟! وأن «قلعة البحرين» التي كنا نسميها «قلعة البرتغال» لم يبنها البرتغاليون من أساساتها، بل هي كانت القلعة التي صمدت في وجه هجومهم على أرضنا، وحينما دخلوا البحرين قاموا بتعزيز قوة القلعة وإضافة بعض البناء عليها.

ولن ننتهي لو سردنا المعلومات الغزيرة، ولماذا سميت بلادنا بـ«أوال» قبل ظهور الإسلام ببضعة عقود، وما قصة تمثال «رأس الثور» الموجود في المتحف، وأنه كان يُعبد من بعض القبائل في البحرين! طبعاً بعدها المحطة الفارقة بإرسال رسولنا صلوات الله عليه مبعوثه العلاء الحضرمي لحاكم البحرين آنذاك المنذر بن ساوى التميمي، ويومها دخلت البحرين في الإسلام فوراً وكانت ثاني منطقة تدخل في دعوة الرسول طواعية وباقتناع بعد المدينة المنورة.

تاريخ عريق وجميل، يصلنا من الحضارة الإسلامية إلى القرون التي تليها ومرت فيها البحرين، وصولاً إلى الفتح العظيم على يد الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة «أحمد الفاتح» الجد الثامن لجلالة الملك المعظم وكيف بدأ بناء الدولة وعصر الازدهار والتعمير والتطور وصولاً إلى العهد الزاهر لملكنا الغالي المعظم وما تحقق من إنجازات وطفرات.

لابد وأن يعرف أبناؤنا، ونحن معهم تاريخ بلادنا وحضارات أرض البحرين وهذه المسيرة التاريخية الرائعة. معرفة هي معززة للانتماء والولاء للأرض وقيادتها، معرفة تجعلنا نفخر بأننا نعيش على أرض اعتبرها التاريخ «جنة على الأرض»، ووصفها بأنها «أرض الخلود».

خذوهم للمتحف، عرفوهم على تاريخهم، واجعلوا الاعتزاز بهذا الوطن الغالي ينمو ويكبر بداخل القلوب، ويزدهر بعطائهم لأجل البحرين أولاً وأخيراً.