كما نعلم أن التعليم هو مصدر استراتيجي مهم للتنمية البشرية وتحقّق فيه الدولة ومن خلاله مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية بين كلّ فئات المجتمع، سواء أكان هذا التعليم عاماً أو خاصاً، ويتحقّق من خلاله كذلك الانسجام والتماسك بين الأفراد، ومعروف أن التعليم النظامي في البحرين بدأ مجانياً ولايزال، وظلت المدارس العامة الحكومية في مملكة البحرين لفترة طويلة من الزمن ولاتزال هي المؤسسات التربوية التي تخرَّج منها الكثير من أبناء الوطن، ومنهم الكفاءات الوطنية التي ساهمت وتُساهم في النهضة التنموية الاجتماعية والاقتصادية في مملكة البحرين، وعُرفت البحرين بأنها من أوائل الدول التي ظهر فيها التعليم النظامي المجانيّ وكان ذلك في عام 1919، وهو الذي مثّل رافداً مهمّاً في ظهور الدولة المدنيّة الحديثة في البحرين في وقت مُبكّر عن باقي الدول في المنطقة.

في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين بدأت ظاهرة المدارس الخاصة وأخذت في الزيادة، كما يحدث في الدول الأُخرى، وتوجّه كثيرٌ من أولياء الأمور إلى تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة رغم أنها برسوم، انطلاقاً من رغبتهم في البحث عن مستقبل أفضل لأبنائهم لاعتقاد الكثير منهم بأنها أكثر جودة من المدارس العامة الحكومية، وهذه الظاهرة تطرح تساؤلاً مهمّاً، وهو هل المدارس الخاصة بالفعل هي أفضل من المدارس الحكومية؟

الدراسات التربوية الحديثة التي أُجريت في كثير من البلدان تقول إن المدارس الحكومية أفضل من المدارس الخاصة، وإن كان الأمر يبدو غير ذلك إلا أنه من المعروف أن المدرسة لا تنحصر مهمّتها في تزويد الطلبة بالمعلومات وإعطائهم شهادات تخرُّج من أيّ مرحلة دراسية، إنما مهمّتها أكبر من ذلك، حيث تُعنى المدرسة ببناء الشخصية المتكاملة عند المتعلِّم، وفي رأيي أنّ المدارس الحكومية العامة هي أقدر في تحقيق هذه المهمّة حيث تضمّ أغلب الشرائح الموجودة في المجتمع من حيث التنوّع في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الطلاب، وهذا يُتيح للطالب أن يتعرّف على المجتمع بعمومه ويكتسب كثيراً من المهارات الاجتماعية، خاصةً مهارة التفاعل الاجتماعي، بعكس المدارس الخاصة التي غالباً ما ينحصر الملتحقون بها بنخب معيّنة في المجتمع أغلبيتهم من شرائح معيّنة ويمتلكون ثقافة محدّدة، حيث نجد أن أغلبيتهم لا يعرفون حتى اللغة العربية بحكم المناهج الموجودة في معظم المدارس الخاصة التي تُعلي من اللغات الأجنبية وخاصةً اللغة الإنجليزية، حيث نجد أن الطالب لا يعرف إلا اللغة الإنجليزية وبالتالي يُصبح غير متمكّن إلى حدٍّ ما من اللغة العربية التي هي اللغة الأم والتي يجب أن يتمكّن الطالب منها سواء أكان في المدارس الحكومية أو المدارس الخاصة وإلا أصبح الطالب مُهدَّداً بالشعور بالغربة في مجتمعه، وهذا الذي يحدث في أغلب الأحيان بعد تخرُّج الطالب. صحيح أن المدارس الخاصة قد تكون فيها بنية تحتية أفضل، ولكن لا توجد فيها مقوّمات البيئة الاجتماعية والثقافية التي توجد في المدارس العامة التي تتيح لمن يلتحق بها اكتساب ثقافة المجتمع بالشكل الصحيح، ورغم أن التميّز في التعلُّم لا يتوقف على المدرسة إن كانت عامة أو خاصة إنما الأُسرة لها دور كبير في تقديم الرعاية للأبناء في دراستهم، وبذلك يتحقّق التفوّق في المدرسة بالتعاون الذي بين المدرسة والأُسرة، وعليه ربما تكون مخرجات التعليم العام أقوى من مخرجات التعليم الخاص.

وما يدلُّنا على ذلك هو الإحصائية التي صدرت من وزارة التربية والتعليم وهي التي تتضمّن بأن المملكة تحوي 284 مدرسة، منها 211 حكومية بينها مدرستان متوقَّع افتتاحهما الفصل الدراسي الثاني، في حين يبلغ عدد المدارس الخاصة 73 مدرسة، لافتةً إلى أن هناك 1550 طالباً انتقلوا من المدارس الخاصة إلى الحكومية العام الماضي، مما يؤكد على تطوّر الأداء التعليمي في المدارس الحكومية وثقة المواطنين بالتعليم الحكومي ودليل على ارتقائه. وأشارت إلى أنه يوجد توجّه لإصدار تراخيص لمدارس جديدة إذا توافرت الشروط والمعايير المطلوبة.

نستنتج من ذلك أن المدارس الحكومية تحتاج إلى دعم أكثر لمواجهة الزيادة في الطلاب وما تفرضه العملية التعليمية في عصرنا الحاضر من تزويد المدرسة ببنية تحتية قوية تجعلها تساير التعليم في الدول الأُخرى في نوعية التعليم المُقدَّم بحيث يتوازن التعليم العام مع التعليم الخاص، والدولة ومن خلال وزارة التربية والتعليم لاتزال ملتزمة بذلك، وحفظ الله مملكة البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كلّ مكروه.