تعتبر الجامعات البحثية ركناً أساسياً لاقتصاد المعرفة كونها اللبنة التي تنتج وتطورالمعارف وتحقق الاستثمار في رأس المال البشري من خلال جذب واحتواء الأكاديميين والطلبة وتعزيز مهاراتهم من خلال الأبحاث التي تزاوج بين العلم وتطبيقه. فبينما يكون تلقين المعرفة هو الأسلوب الطاغي في الجامعات التقليدية، تعمل الجامعات البحثية على تشجيع الابتكار في مجالات متجددة وغير مطروقة. وكما يعلم الجميع فإن دور الجامعات التقليدية يقوم على ثلاثة عناصر أساسية هي التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع. على الجانب الآخر، يمثل البحث العلمي في الجامعات البحثية هدفاً أول ومستداماً وليس مجرد ردة فعل كوسيلة للحصول على ترقية.

تمثل هذه الجامعات ركيزة أساسية لتحقيق الشراكة بين المعرفة والصناعة من خلال تبني الأبحاث ذات العلاقة وتسويقها للتنفيذ وصولاً إلى المساهمة في نمو الاقتصاد الوطني للدول. ووفقاً لآخر الإحصائيات تساهم مجموعة رسل بحوالي 87 مليار جنيه سنوياً في رفد الاقتصاد الوطني البريطاني، بينما تبلغ مساهمة مجموعة الثمانية بحوالي 66 مليار دولار سنوياً بعائد يقدر بعشرة أضعاف الإنفاق، أي أن كل دولار ينفق على البحوث يعود بالنفع على القطاع الخاص بعشرة دولارات. واستناداً للدراسات التي أجريت على هذا النوع من الجامعات تبين أن الحوكمة والإدارة المؤسسية الرشيدة، والقدرة على جذب المواهب والتمويل الضخم هم الأساس لنجاحها.

إن البلدان المتقدمة معرفياً تكون كنتيجة حتمية متقدمة اقتصادياً والعكس صحيح، حيث إن إنتاج المعرفة يساهم بشكل كبير في تصاعد المؤشرات الاقتصادية للدول. على الطرف الآخر تعتبر الجامعات التقليدية المقتصرة على التدريس جامعات مستهلكة للمعرفة وتقوم على التبعية. إن تجارب الدول مثل الصين وتايوان وسنغافورة وجنوب إفريقيا وتشيلي التي قامت على تحسين الجودة ومراقبة الأداء والتوأمة مع جامعات بحثية متقدمة لهو بمثابة دليل لطريق ممهد وناجح للاستثمار في مثل هذه الجامعات.

بناء على ما تقدم، فإنه لتحقيق التنمية المستدامة في عصر اقتصاد المعرفة لا بد أن يكون لدينا استثمار في الجامعات البحثية ونظراً إلى الميزانية الضخمة التي تحتاجها يجب ألا يقتصر دور إنشاء الجامعات البحثية على الحكومات، فهذه دعوة لمؤسسات القطاع الخاص للقيام بمسؤوليتها المجتمعية من خلال تمويل إنشاء مثل هذه الجامعات التي ستصب في ازدهار الاقتصاد الوطني بشكل عام وهذه الشركات بشكل خاص.