يكمن أحد أهم التحديات التي تواجه قطاعات الرعاية الصحية في العالم بشكل عام تغطية الاحتياجات الرعائية والتأهيلية لكبار السن بالمستوى المنشود من ناحية الكم والنوع والكلفة. وخصوصاً في عالم يشهد تنامي ظاهرة الشيخوخة والعبء الثقيل للأمراض غير السارية على مناحٍ متعددة، منها جودة الحياة للمصابين والقائمين على رعايتهم، وما لذلك أيضا من تداعيات سلبية مجتمعيا واقتصاديا. وإزاء هذه التحديات والتغيرات التي تواجه المجتمعات لم تكتفِ العديد من السياسات والإستراتيجيات بالتركيز على جودة الخدمات الصحية والاجتماعية المقدمة لكبار السن بل أصبحت التوجهات تميل نحو الاستثمار في الطرق المبتكرة والأنظمة الشاملة لتعزيز وقاية وحماية وتمكين كبار السن، ومن أبرز ذلك إيجاد أو خلق بيئات صديقة ومراعية لأوضاع واحتياجات كبار السن لتسهيل وتدعيم انخراطهم في حياة أكثر صحة وأكثر نشاطا وتفاعلا مع مكونات المجتمع المحيط بهم. ويدعم هذه التوجهات في عالمنا الحديث عنصر التطور التقني والتفوق التكنولوجي وثورة الإنترنت والاتصالات، حيث خلق ذلك العديد من الفرص الداعمة لتعزيز بيئة كبار السن وإعطاء إمكانات أفضل للقيام بالأنشطة الحياتية، بل أصبحت هذه التقنيات من ضمن المحفزات الأساسية للتأقلم الإيجابي مع تغيرات التقدم في العمر ومعززاً فاعلاً لأنماط الحياة الصحية. من ضمن قائمة هذه التقنيات الممتدة النطاق، يمكننا تسليط الضوء على ثلاث منها، أولا: التقنيات المساعدة، ثانياً: الذكاء الاصطناعي، ثالثا: إنترنت الأشياء.

تحظى تقنيات المساعدة للقدرات الوظيفية باهتمام واسع منذ سنوات طويلة نظراً إلى كونها أداة فاعلة لتحسين أو استعادة أداء أنشطة الحياة ورفع الأمل نحو الحياة باستطاعة ومشاركة أفضل. وقد تطورت هذه التقنيات من مستوى أساسي بسيط كالكرسي المتحرك أو العكازات المستخدمة للحركة والتنقل إلى مستوى أكثر حداثة وتعقيدا بتدشين البرمجيات والاتصال بالإنترنت، حيث أصبح منها ما هو مزود بأجهزة تعريف الصوت ومجسات فوق صوتية لتعزيز السلامة وتنبيه المستخدم عن الأجسام المحيطة. لم تقتصر التقنيات المطورة على تدعيم الحركة أو الرؤية بل شملت أيضا جانبي التواصل والتفاعل، على سبيل المثال أصبحت البرامج التي تقوم بعملية كتابة النصوص إلكترونيا وتصفح الإنترنت أو خلق صوتيات متاحة للعديد لمن هم بحاجة إلى وسائل وحلول للتواصل بشكل أسهل وأقل اعتمادية على الآخرين. وكما لا يخفى على العديد منا فإن التقنيات المساعدة للقدرات السمعية والبصرية تطورت بشكل جذري وخصوصاً من ناحية تحسين جودة تجربة المريض بتحسن هذه القدرات إلا أنه قد تكون كلفة هذه الأجهزة عائقا كبيرا لدى شرائح معينة بالمجتمع.

من جانب آخر وخصوصاً في العقد الأخير شهد العالم طفرة واسعة في خيارات وتطبيقات التقنيات المساعدة لإدارة الاضطرابات الصحية، وخصوصاً باستخدام الساعات الذكية وتطبيقات الموبايل المتصلة بالأجهزة الطبية المنزلية وما تقدمه هذه التقنيات من قياس لضغط دم، ودرجة الحرارة، ومستوى السكر ومستوى الأكسجين بالدم، إضافة إلى تعزيز أنماط الحياة من خلال تتبع النوم والسعرات الحرارية، والتمارين الرياضية. نضيف إلى ذلك تطبيقات إدارة جرعات الأدوية التي أثبتت الدراسات تحسين معدلات الالتزام للأدوية، وتقليل نسبة فوات موعد الجرعة وكذلك نسبة الخطأ الدوائي. كما تتيح تقنيات المساعدة للدعم النفسي إمكانية أفضل لتقليل مستويات القلق والاكتئاب وخصوصاً لدى مرضى الخرف بناءً على اختبارات أجراها الباحثون باستخدام أجهزة وسائط متعددة ذكية توفر مجموعة معدة شخصيا من الصور والرسائل والفيديوهات والصوتيات.

إن التقدم التكنولوجي وخصوصاً المبني على الهندسة المعلوماتية والذكاء الاصطناعي قدم العديد من نماذج الاستجابة الطارئة والمساعدة للظروف الصحية لكبار السن. ومن تلك النماذج تطوير طائرة إسعاف مسيرة تمتاز بقدرتها على إيصال جهاز للصدمات الكهربائية في وقت قياسي عند تعرض شخص ما لنوبة قلبية، كما أن هذا النوع من النماذج أصبح إحدى الوسائل لتوصيل الأدوية واللقاحات. وأيضا من أبرز النتائج الإيجابية لاستخدام أنظمة المحاكاة بالذكاء الاصطناعي من خلال مجموعات البيانات الصحية والتعلم الآلي هو تطوير إمكانات أفضل لدقة التحليل والتشخيص والتنبؤ بالمشكلات الصحية وبالتالي ضمان الجودة لخدمات الوقاية والعلاج. من زاوية أخرى تتوجه أنظار العالم نحو المزيد من دراسة وتدشين تطبيقات إنترنت الأشياء في محيط حياة كبار السن أو بيئة الرعاية الخاصة بهم، حيث يستند مفهوم إنترنت الأشياء إلى تفاهم وتواصل مختلف الأجهزة من حواسيب أو مستشعرات والأجهزة الإلكترونية وبتبني أنظمة الذكاء الاصطناعي من خلال الإنترنت دون الحاجة إلى تدخلات مباشرة من البشر، لذا نجد أن هنالك توجهاً نحو الاهتمام بتنفيذ المنازل الذكية والتوسع بنطاق استخدام الأجهزة القابلة للارتداء والتي لها ميزة التواصل أو تنبيه مقدمي الرعاية الصحية عن أوضاع معينة لكبير السن مثلا كحالة السقوط على الأرض، ومن ثم إمكانية الاستجابة لحالة المريض بشكل أسرع، وتقليل المضاعفات الصحية التي قد تنجم عن التأخر في إسعاف الحالة.

إن التقدم التكنولوجي الهائل والمستمر وما يقدمه من حلول عملية ومعززة لقدرات كبار السن من حيث التواصل والاستقلالية والتفاعل والاندماج مع البيئة والمجتمع المحيط بهم، إضافة إلى رفع مستويات الاستقلالية لهم وتقليل الاعتمادية على الآخرين، والتسهيل الشامل للولوج للرعاية الصحية، كل ذلك يرسم ملامح آفاق أرحب لصناعة الأمل نحو حياة أكثر مراعاة وتمكينا لكبار السن. ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن التخطيط للمستقبل يلزم تضمين إستراتيجية متكاملة وقابلة للتطبيق بما يتعلق بالاستثمار في التكنولوجيا الداعمة لجودة حياة كبار السن وخلق ثقافة شاملة نحو دور وانعكاسات هذه التكنولوجيا.

* جمعية أصدقاء الصحة