زهراء حبيب

رفض والدها تعليمها وكان لأمها رأي ثم انقلبت حياتها بفضل «تم»
اختبار دخول المدرسة كان أن تصل يدها اليمنى لأذنها اليسرى
تعشق العمل والإنجاز فنجحت كأم وأكاديمية ومتطوعة ونائب
جدتها شاعرة من قبيلة العجمان ووالدتها تقرض الشعر أحياناً


بدأت مشوار الكفاح منذ نعومة أظفارها وهي طفلة لا تتجاوز 5 سنوات، كسرت جمود المستحيل، خرجت عن المألوف في جميع مراحل حياتها، ومهدت الطريق للعديد من النساء في جيل كان تعليم الفتاة فكرة غير مقبولة لدى الجميع، وانتصرت على الكثير من التحديات المجتمعية والفكرية في زمنها.
أسست سفينة لتبحر بنساء منطقتها إلى ميناء التقدم والنماء بإنشاء أول جمعية نسائية بمنطقة "جو"، تميزت في العمل التعليمي والتربوي والتطوعي واليوم تتميز في السلطة التشريعية، وهي ترجع الفضل كله حتى اليوم إلى والدتها التي شجعتها على التعليم منذ صغرها، إضافة إلى قصة "تم" التي روتها لنا وكان لها الفضل في قبول والدها دخولها المدرسة.
النائب لولوة الرميحي فتحت قلبها وعقلها وأوراقها لـ"الوطن" كي تتحدث عن مشوارها كمعلمة وإدارية في وزارة التربية والتعليم، وكناشطة في الشأن العام أيضاً حيث ترأست جمعية المنطلق النسائية، وكانت رئيسة لجنة التصويت على ميثاق العمل الوطني في مركز المحافظة الجنوبية عام 2002، وأمين سر لأول انتخابات بلدية ونيابية في ذات العام، واليوم تمثل صوت أهل دائرتها عاشرة الجنوبية، وتحاول خدمة أبناء الوطن في مختلف المجالات من خلال تواجدها تحت قبة البرلمان.
عرف الجميع لولوة الأكاديمية والتربوية والمرأة المثابرة في العمل التطوعي والخيري، ولكن كيف وصلت إلى هذه المكانة ومن كان وراء هذه الشخصية المكافحة؟ وكيف وصلت من مقاعد التدريس إلى قبة البرلمان؟ كل هذه التساؤلات طرحناها عليها في حوار صحفي أجرته معها "الوطن" وهذه تفاصيله...
كيف بدأت لولوة الرميحي مسيرة الكفاح منذ الطفولة؟
عشت طفولة طبيعية فأنا من عائلة أصولها من منطقة "جو" وانتقل الوالد إلى منطقة الحورة في المنامة في الأربعينات وكان حينها شقيقي البكر يبلغ من العمر سنتين، وأنجبتني والدتي بعد إخوتي الثلاثة الأولاد وبعدها أختي فنحن ثلاثة أولاد وابنتان.
وكان والدي يرفض تعليم البنات فيما كانت والدتي تحمل فكرة مغايرة، وفتح باب التسجيل وعمري 5 سنوات، فطرحت والدتي الفكرة على والدي لكنه رفض بشدة، تحت جملة "ما عندنا بنات تدخل المدارس"، وكان ذلك في نهاية الخمسينات وبداية الستينات وكان متأثراً بعادات وتقاليد الأسرة بمنطقة جو، وكان دائماً ما يفكر بما سيقوله أهلنا في "جو" أن بنته دخلت المدرسة، فيما كانت المنامة منفتحة حينها والبنات يلتحقن بالتعليم.
فما كان أمام والدتي غير خيار واحد وهو طرق باب عمة والدي التي تشجع على فكرة التعليم وقد التحق جميع أحفادها بالمدرسة، فطلبت منه زيارة والدي وقبل البدء بالكلام تطلب منه أن يقول "تم" قبل أن تطلب شيئاً، وبسبب احترامه الشديد لها قال "تم" دون معرفة الطلب، وهنا أخبرته بضرورة تسجيلي بالمدرسة في اليوم التالي.
وعلى الفور أخذتني والدتي للمدرسة في اليوم الثاني لتسجيلي، لكن المفاجأة كانت الرفض بسبب صغر سني، وكان الاختبار حينها أن تصل يدي إلى الأذن في الجهة الثانية، ولصغر يدي لم أنجح في الاختبار.
ولم تنصع والدتي للرفض، فكانت تلبسني "المريول" وتصحبني للمدرسة يومياً، رغم رفض المدرسات دخولي الفصل، وبعد أسبوع توجهت إلى إدارة مدرسة القضيبية الابتدائية للبنات "سابقاً"، وطلبت منها الإدارة مخاطبة إدارة تعليم البنات، وبالفعل زارتهم في مقرهم بالمنامة، وطلبت إلحاقي بالمدرسة خوفاً من رفض والدي تسجيلي في السنة المقبلة، وتمت الموافقة بسبب إصرار والدتي على تعليمي وكنوع من المكافأة لها، وكانت هذه المرحلة التحدي الأول في حياتي، وكانت والدتي حكيمة وهادئة.
وترعرعت ورُبّيت في أسرة مثقفة وتحب الشعر ومحافظة في الوقت ذاته، وأنا لدي كتابات في الشعر ولكن بسبب انشغالي بالعمل لم أستمر في هذه الموهبة.
جدتي كانت شاعرة من قبيلة العجمان، ووالدتي أحياناً تقرض الشعر ولدي أفراد من أسرتي محبون للشعر وقراءة الكتب خصوصاً أخي حمد -رحمه الله- كان يعتبر شاعراً وله الكثير من القصائد النبطية وأخرى باللغة العربية الفصحي.
وأكملت المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وكنت مسجلة بالمسار العلمي، وبسبب بعد المدرسة خارج حدود منطقة الحورة، غيرت المسار إلى أدبي لقرب المدرسة من المنزل، بسبب رفض والدي ركوب حافلة المدرسة مع سائق غريب.
ماذا بعد المرحلة الثانوية؟
بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية حصلت على بعثة للدراسة في دولة الكويت ووالدي تغير تفكيره حينها، فوافق لكن المفاجأة كانت جدتي الرافضة لسفري خارج البلاد، فكنت أمام خيار الاكتفاء بالتعليم الثانوي أو إتمام التعليم في المعهد العالي للمعلمات، وشجعتني والدتي على إتمام تعليمي بالفرص المتوفرة، خاصة وأن مجال التعليم حينها كان بحاجة ماسة للكوادر البشرية، وبعد سنتين حصلت على معدل ممتاز وتخصّصت في اللغة العربية وكنتُ أحبُ الفن كذلك، فعرضوا عليّ بأن أكون مدرّسة لمادة الفن لكني رفضت بسبب أُفُقه الضيّق حينها، وأنا أحب العمل في مجال خدمي والإبداع وأرى نفسي فيه وأعطي فيه أكثر، ولحبي اللغة العربية تخصصت في هذا المجال.
وعملت كمدرسة لنحو 21 سنة في التعليم الإعدادي ومن ثم الثانوي، وكانت علاقتي مع الطالبات وأولياء الأمور قوية، وحتى اليوم على تواصل دائم معهن.
كيف كانت تجربة السلك التعليمي؟
شغلت منصب مدير مساعد في مدرسة الاستقلال الإعدادية الثانوية للبنات حينها لمدة أربع سنوات، وتعلمت من مديرة المدرسة خلال هذه الفترة أساسيات حسن الإدارة والقيادة، وكانت تعتمد علي بصورة كبيرة بسبب حالتها الصحية، وقدّمت لي كل خبراتها وتجاربها وهو ما ساعدني في مسيرتي المهنية، وعندما أرادت التقاعد رشحتني لمنصب المديرة وعملت بهذا المنصب لمدة سنة، وبعدها تم نقلي إلى مدرسة الرفاع.
وخلال عملي كمديرة في مدرسة الرفاع كوّنت لجاناً عدة، منها لجنة المسرح، والخطابة البيئة، واللغة العربية والشعر والرياضيات وغيرها من اللجان، وأصبح هناك تنافس بين اللجان فجميع الحوافز المخصّصة من قبل وزارة التربية والتعليم يتمّ توزيعها بشكل عادل على كل معلمة منتجة وذات كفاءة، وهذه الخطوة شكّلت حافزاً لبقية المعلمات وخلق نوع من المنافسة الجميلة بين المدرّسات، وخلال سنوات بسيطة تمّت تغطية المدرسة بين الحوافز والمكافآت والانضباط الوظيفي، وارتفع مستوى مدرسة الرفاع وتم تخريج العشرات من المتفوقات وتتصدّر القائمة بعد مدرسة خولة التي لها باع طويل في تفوق طلبتها ومازالت.
وبعد 9 سنوات من العمل المتواصل في مدرسة الرفاع الغربي الثانوية للبنات تمت ترقيتي لرئيسة منطقة تعليمية وتحت إدارتي نحو 20 مدرسة ابتدائية ومدرستين ابتدائية وإعدادية بمنطقة المنامة من النبيه صالح إلى النعيم ومن مدارس مدينة حمد والمناطق المجاورة لها وبوري حتى دمستان، وكانت لي زيارة مجدولة للمدارس، وكنت أقوم برعاية حفلاتهم ومتابعة أعمالهم وزيارة الفصول الدراسية ومراقبة آلية التعليم لدى المدارس، وأنجزت في هذه المدارس لمدة بلغت 3 سنوات، وتم رفع مستوى العديد من المدارس إلى الجيد والممتاز وفق الجودة التعليمية، ومدارس نالت جوائز خليجية، وكنت أعشق الإنجاز في أي عمل أكلف به، وقضيت 37 سنة خدمة في السلك التعليمي والتربوي دون كلل ولا ملل وبكل حب وإخلاص.
تجربة الزواج مبكراً والانفصال كيف كانت؟
تزوجت وانفصلت سريعاً ونتج عن الزواج طفلان وكرست حياتي لتربيتهما والتميز في عملي بالسلك التعليمي والتربوي، وكان لوالدتي دور مهم بعد هذه التجربة، فهي أصرت على إكمال تعليم "البكالوريوس".
فترة الانفصال كانت قاسية وكنت صغيرة في العمر لم أتجاوز 18 سنة، ولدي شغف وطموح لإكمال تعليمي فعقدت العزم على تربية أبنائي واستكمال دراستي وأن يكون عطائي في مجال التربية والتعليم.
بعد المكانة التي وصلتِ لها كيف كانت علاقتكِ بوالدكِ؟
الحمد لله على استجابة والدي لطلب عمته وموافقته على تعليمي، وكنت مقرّبة جداً منه وأمين سره.
هل تعليم السياقة للبنات مقبول في وسطك الأسري؟
والدي رفض في البداية بقوله "ما عندنا بنات يسوقون السيارة، ويقولون بنتي تقود سيارة" لكن والدتي لديها أسلوب دبلوماسي واستطاعت إقناعه بحاجتي لهذا الأمر، وتسهيل تنقلاتي خصوصاً أنه لدي أطفال صغار وأعمل بمدارس بعيدة.
ما هي بدايات جمعية المنطلق؟
فكرت بالجمعية وأنا مديرة مدرسة، وبسبب مرض والدتي كنت ملازمة لها بصورة دائمة، فأجلت الفكرة حتى خروجي للتقاعد بعد 37 سنة خدمة، فكرت في تأسيسها في "جو" كونها منطقة بعيدة في السابق كان يربطها بالمناطق المجاورة شارع متعرّج ومظلم حتى دوار ألبا، ولا يوجد فيها رياض أطفال ولا فعاليات ثقافية للمرأة والتواصل الاجتماعي وتعزيز خبراتها، ومن هنا جاءت الفكرة، وتعززت، في نوفمبر 2011 زارتنا صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، في حديقة عسكر وكان لقاء مفتوحاً مع الأهالي عن احتياجات المنطقة من الخدمات الأساسية، وكان من ضمن الاحتياجات التي تطرّق لها اللقاء تشكيل جمعية نسائية لتطوير ودعم المرأة في كافة المجالات، ورياض أطفال وغيرها، فتم تأسيس لجنة لاحتياجات المنطقة برئاستي لرفع الطلبات، وتمّت الاستجابة لها.
ما هي أبرز إنجازات الجمعية للمرأة؟
تقديم محاضرات ثقافية وصحية للمرأة لنساء المنطقة، واستقبال المجلس الأعلى للمرأة لتثقيفهن عن دور المجلس، ومحاضرات عن الأسرة والعلاقة بين الأزواج والأطفال، ومن ناحية ترفيه تسير رحلات إلى المملكة العربية السعودية ورحلات سياحية داخلية، والمشاركة في الاحتفالات الوطنية، ولدي مشروع رائدات صغيرات من 8 سنوات إلى 17 سنة لخلق صف ثانٍ للجمعية لاستلام زمامها لاحقاً، فخلال فترة الصيف يتم تنظيم ورش عمل خلال الإجازات الصيفية بمختلف الأنشطة.
كيف كانت تجربتك كأمين سر لأول انتخابات نيابية وبلدية 2002؟ وما سبب تأخيرك في الترشح؟
كنت منشغلة في عملي في مجال التدريس، تقاعدت في 2010، ومن 2011 بعد زيارة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة بدأت إعداد النظام الأساسي للجمعية وقدمته لوزارة التنمية وكنت أتردد عليها لحين صدور الموافقة، وفي ديسمبر 2012 تم إشهار الجمعية، ومنها بدأت عملي التطوعي وأخذ مني وقتاً ورغبت بالتفرغ له، وفكرت بالترشح.
كانت النية موجودة لكن بسبب انشغالي، حتى الوالدة كانت تقترح عليّ الترشح للمجلس النيابي، لكنها توفيت قبل إشهار الجمعية.
ومن بعدها فكرت بالترشح لخدمة أهل المنطقة وشريحة أكبر والوطن بصورة كلية، فرشحت نفسي، وكان لعملي التربوي والتطوعي إسهام كبير في نجاحي في الانتخابات الأخيرة، ومعرفتي بميثاق العمل الوطني والانتخابات أعطتني فكرة عن طبيعة من بيانات الناخبين والكتلة الانتخابية والإجراءات، وفترة الطعون وجميع الأمور المتعلقة بهذا الجانب.
ماذا أضافت التجربة النيابية للولوة الرميحي؟
التجربة هي فرصة لخدمة المواطن والوطن، وأهم الملفات "البطالة" من بعد ملف "الإسكان" و"التقاعد" وذوي الدخل المحدود، والبطالة ملف بحاجة إلى حل كونه مرتبطاً بمختلف جوانب الحياة، ومساعي وزارة العمل في حل البدائل والتعويض لحين توفير فرص عمل مناسبة، وهناك ملفات بحاجة لحل جذري، فهناك تخصصات مستوى البطالة فيها يصل إلى 100% مثل مدرس التربية الرياضية.
وهناك مجهودات كبيرة تقوم بها الحكومة لحلحلة هذه الملفات وأمر يتطلّب تكاتفاً مع مجلس النواب لإيجاد مخرج لها، والسلطة التشريعية والتنفيذية بالتعاون بين السلطتين ممكن حلها.
حدثينا عن تجربة ترؤس الجلسة الإجرائية؟
كانت تجربة جميلة وإن كانت لفترة محدودة كوني الأكبر سناً، وكان التوقع أن أشعر بالتوتر والارتباك، لكن كوني مديرة مدرسة وأتحدث في فعاليات وطابور الصباح وأدرت مدارس فاستطعت النجاح في هذه التجربة، والعمل بالإجراءات بسلاسة.
وفي هذه اللحظات استذكرت بداية مشواري كطالبة حتى اليوم، فاستشعرت بقيمة بالإنجاز وبأن تعبي "ما راح هدر"، وأول شخص تذكرته والدتي وتمنّيت لو كانت موجودة في هذه اللحظة، فهي الداعم الأول والرئيس وشقيقي حمد رحمهما الله.
كما استذكرت موقفاً عندما التحقت بدورة عند رئاستي الجمعية وهي "حقوقي3" وكان من ضمن البرنامج زيارة لمجلس النواب، وسمح للمشاركين بالتصوير على منصة الرئاسة لكني رفضت، وكان الجواب أشعر بأن الموضوع "غير رسمي" وما كنت أفكر حينها بالترشح، لكن شاءت الأقدار بدخول مجلس النواب وترؤس الجلسة الإجرائية والصعود عليها بشكل "رسمي".
ما هو المشروع المقبل؟ هل لديك النية لإعادة الترشح؟
لا أستطيع التحديد الآن، فمن الممكن الترشح للفصل التشريعي في حال سنحت الظروف.