بل هنا، الرواية التاريخية تأخذنا إلى أبعد من عشرين عاماً بقليل، حينما وضع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله أمامه تحدياً واضحاً، وهو أن يحول منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط إلى منطقة تستقطب اهتمام العالم وبالأخص محبو رياضة السيارات وبخصوصية أكثر محبو السباقات الأكثر شهرة في العالم.. فئة «الفورمولا واحد».

كان التحدي بأن تكون مملكة البحرين المنطلق، كموطن لرياضة السيارات في الشرق الأوسط، وبعد اتفاق بين سموه ومالك حقوق هذه الرياضة أو البطولة حينها «بيرني إيكلستون» دخلت البحرين مرحلة تحدٍّ نجحت فيه بقوة وامتياز، وذلك عندما حولت الصحراء إلى واحة رياضية خضراء، بنت فيها إحدى أروع حلبات الفورمولا واحد في العالم.

وأذكر قبل انطلاق سباقنا الأول في عام 2002، أننا ذهبنا قبل عام ضمن وفد بحريني رياضي وإعلامي لحلبة كاتلونيا ببرشلونة للتعرف على طرق التنظيم وعيش أجواء السباق بشكل مباشر، يومها أذكر لقاءات جمعتنا بفرق الفورمولا واحد والسائقين العالميين.

أذكر حديثنا مع «ديفيد كولتهادر» و»كيمي رايكونن» سائقي الماكلارين حينها، وكيف أن كيمي كان يسأل عن أجواء البحرين خاصة وأنه من فنلندا الباردة، وبسبب هدوئه الشديد كنا نسميه «جبل الجليد». أما «رالف شوماخر» سائق «بي إم دبليو» وشقيق الأسطورة «الشيطان الأحمر» «مايكل شوماخر»، فقد كان يسأل عن الرمال الصحراوية الناعمة، مدركاً أنها بالفعل ستكون التحدي الذي سيميز حلبة البحرين، أما شقيقه الأسطورة فقد عرفنا أنه ساهم في تعديل تصميم المنعطف الأول ليكون أكثر تحدّياً، ولذلك تم إطلاق مسمى «منعطف شوماخر» عليه مما يعتبر شيئاً مميزاً في حلبتنا.

انطلق هدير المحركات في البحرين والشرق الأوسط قبل عشرين عاماً، ولم يكن الفائز فقط «مايكل شوماخر»، بل البحرين والمنطقة والعرب، لأنه لم يكن سباقاً عادياً فقط، كانت «ثورة» في عالم الفورمولا واحد، كانت إطلالة «جوهرة حلبات الفورمولا واحد»، كان النجاح الذي راهن عليه الأمير سلمان بن حمد ونجح في تحقيقه بمساهمة أبناء البحرين من كفاءات وطاقات أغلبها كانت متطوعة أو هاوية آنذاك، واليوم هم خبراء ومحترفون ويُطلَبون في التنظيم والإدارة حول العالم في ما يتعلق بالسباقات.

اليوم نعيش أجواء السباق العالمي بعد عقدين من الزمان، والذي يميز حلبتنا الجميلة عن باقي حلبات العالم هي الاستمرارية طوال هذه المدة في استضافات هذه النوعية من السباقات التي تستقطب في كل سباق متابعة أكثر من 500 مليون حول العالم بما يتفوق على متابعي كأس العالم والأولمبياد، باعتبار البطولتين موسميتين، وليستا بطول تتضمن أكثر من 18 جولة طوال العام.

العالم عرف البحرين، وأغلبنا ممن سافر لمناطق حول العالم لا بد أنه مر بموقف تم سؤاله فيه من أي بلد هو، وحينما نجيب بأنها البحرين بالتأكيد يكون ردهم متضمنا كلمة «فورمولا واحد».

ليست حدثاً رياضياً فقط، بل هي أيام تتضمن مكاسب اقتصادية وسياحية كبيرة، فالمعدل السنوي لاستضافة هذا الحدث الضخم يتحدث عن عوائد مالية مباشرة وغير مباشرة نتيجة حراك نشط على كافة المستويات، سواء حركة الطيران أو الإشغال الفندقي والتسوق وغيرها من أمور، تصل إلى حواجر تتخطى الـ400 مليون دولار.

قلت إنه ليس مجرد حدث رياضي، هو استثمار ذكي، في الرياضة نفسها، وفي بناء السمعة ووضع اسم بلادنا على الخارطة العالمية، وهو حدث يحرك عجلة الاقتصاد والسياحة، ويفتح أبواباً أرحب للاقتصاد المحلي والمستثمرين. هو حدث يبعث على الفخر والاعتزاز، والاستمتاع أيضاً بكل أجوائه الجميلة.

وكالعادة التهاني والشكر والتقدير توجه إلى الذي أوجد هذه الواحة المتلألئة في قلب الصحراء، توجه إلى «عراب» حلبتنا الذهبية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد حفظه الله.