يتطوّر دور القيادة بطرق غير مسبوقة في عصر يُحدث فيه الذكاء الاصطناعيّ (AI) تحوّلاً سريعاً في مختلف جوانب حياتنا، حيث يقدّم التقاطع بين الذكاء الاصطناعيّ والقيادة فرصةً فريدة لتسخير التكنولوجيا في تعزيز الصفات البشريّة بدلًا من استبدالها.

نستكشف في هذه الإطلالة كيف يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يعزّز القيادة، ويجعل القادة أكثر فعاليّة وتعاطفاً وبصيرة.

مع وجود مخاوف من أن تحلّ الأتمتّة محلّ الوظائف البشريّة، وتخلق بيئة عمل عقيمة وغير شخصيّة؛ تشير الأبحاث الحديثة إلى سيناريو أكثر تفاؤلاً، يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يجعل القادة أكثر إنسانيّةً من خلال تعزيز قدراتهم المعرفيّة والعاطفيّة والاجتماعيّة. حيث أظهرت النتائج التي توصّل لها الباحثان هوغارد وكارتر، والتي نُشرت شهر يونيو الماضي في Harvard Business Review بعنوان «كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعلنا قادة أفضل»، بأنّ الذكاء الاصطناعيّ قد يوفر فرصة نادرة للقادة لإعادة التفكير في كيفيّة قيادتهم وإعادة تعريفها؛ الأمر الّذي سيعزّز تجربة عمل أكثر إيجابيّة لجميع الأطراف.

يتوقّع من القادة عادة أن يتحلّوا بمستويات عالية من الوعي والحكمة والتعاطف، وهي صفات إنسانيّة بطبيعتها. يتضمّن الوعي الفهم العميق للذات وللآخرين وللبيئة المحيطة. والحكمة هي القدرة على إصدار أحكام سليمة خالية من الغرور والضغوطات الآنيّة مع الأخذ في الاعتبار التأثيرات طويلة الأجل. والتعاطف هو الاستجابة المتعاطفة لاحتياجات الآخرين وعواطفهم؛ ممّا يضمن أن تكون أفعال القيادة قائمة على الرعاية الحقيقيّة. يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يعزّز هذه الصفات بشكل كبير، على سبيل المثال، يمكن أن توفّر التحليلات القائمة على الذكاء الاصطناعيّ للقادة رؤى أعمق حول سلوكيّات الموظّفين واحتياجاتهم، ممّا يسمح باتّخاذ قرارات أكثر استنارةً وتعاطفاً.

يمكن للأدوات الّتي تحلّل ديناميكيّات الفريق وأداءه أن تساعد القادة على تعزيز التفكير المتنوّع والبيئات الآمنة نفسيّاً.

وبشكل أساسيّ، يعمل الذكاء الاصطناعيّ كهيكل خارجيّ للعقل والقلب، ممّا يعزّز القدرات الفطريّة للقائد لتظلّ اللمسة الإنسانيّة ضروريّة لتوفير السياق، وطرح الأسئلة الصحيحة، والقيادة بتعاطف ووجدانية.

لو فكّرنا في قائد يستعدّ لمحادثة صعبة مع أحد الموظّفين مثلاً، يُمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يقدّم رؤى قائمة على البيانات حول أداء الموظّف، والتحيّزات المحتملة، واستراتيجيّات التواصل الفعّالة.

وبتسلّحه بهذه المعلومات، يمكن للقائد أن يتعامل مع المحادثة بمزيد من الوضوح والحساسية، ويمزج البيانات مع الحكم البشريّ والتعاطف.

مثال آخر في عمليّات اتّخاذ القرار، يمكن للذكاء الاصطناعيّ توليد سيناريوهات متعدّدة بناءً على البيانات المتاحة، ولكنّ حكمة القائد وخبرته هي الّتي ستحدّد مسار العمل الأكثر أخلاقيّة واستدامة، ويضمن هذا التعاون بين الإنسان والآلة ألّا تكون القرارات فعّالة فحسب، بل ترتكز أيضاً على فهم شامل للآثار المترتّبة عليها.

خلاصة القول، إنّنا نحتاج إلى الاستثمار في تطوير إمكاناتنا البشريّة بالقدر نفسه الّذي نستثمره في تسخير قوّة الذكاء الاصطناعيّ. وهذا يعني التركيز على الصفات القياديّة الأساسيّة المتمثّلة في الوعي والحكمة والتعاطف، بالإضافة إلى تبنّي عقليّة «القائد المعزّز بالذكاء الاصطناعيّ» لتطوير الصفات الأكثر إنسانيّة.

إنّ مستقبل القيادة يكمن في المزيج التآزريّ بين البصيرة البشريّة والبراعة التكنولوجيّة؛ الأمر الذي سيخلق نموذجاً جديداً يدعم فيه الذكاء الاصطناعيّ جوهر معنى القيادة ويرتقي به.

فبينما نمضي قُدماً، من الضروريّ للقادة أن يتبنّوا هذا التعزيز، وأن يطوّروا من فطنتهم بالتكنولوجيا وصفاتهم الإنسانيّة على حدٍّ سواء؛ ممّا يجعلهم مؤهّلين بشكل جيّد للتعامل مع تعقيدات القيادة الحديثة، وتعزيز بيئة عمل عالية الأداء وإنسانيّة في آن واحد.