أصبحت مؤشرات الأداء الدولية بمثابة معايير أساسية لقياس تنمية أي بلد وصحته الاقتصادية وتقدّمه الاجتماعي. وفي حين توفّر هذه المؤشرات وسيلة موحّدة لمقارنة البلدان، فإنها غالباً ما تفشل في التقاط الحقائق الدقيقة وأولويات المجتمعات المحلية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تعكس هذه المؤشرات حقّاً واقع الظروف والاحتياجات المحلية لأي بلد؟
إن المؤشرات الدولية مثل مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، ومؤشر التنمية البشرية، ومقاييس الاستدامة مصمّمة لتقديم رؤية شاملة لأداء أي بلد. ومع ذلك، فإنها غالباً ما تؤكد على النمو الاقتصادي، وتطوير البنية الأساسية، والتقدّم التكنولوجي، وهو ما قد لا يتماشى مع عوامل أكثر تحديداً للسياق وأكثر ارتباطاً بواقع المجتمع. ويمكن أن يؤدي هذا التركيز على التفوق في التصنيفات الدولية إلى سياسات ومبادرات تُعطي الأولوية للاعتراف العالمي على معالجة التحديات المحلية الفريدة.
على سبيل المثال، قد تتمكّن دولة ما من تحسين ترتيبها على مؤشر سهولة ممارسة الأعمال من خلال تبسيط اللوائح التنظيمية للأعمال، ولكن هذا قد لا يُفيد الاقتصاد المحلي إذا أهملت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي تشكّل أهمية حيوية للاقتصادات المحلية. وعلى نحو مماثل، قد تأتي الاستثمارات في البنية الأساسية لتعزيز الترتيب في تقرير التنافسية العالمية على حساب برامج الرعاية الاجتماعية، مما يترك الاحتياجات الحرجة في الرعاية الصحية والتعليم دون معالجة.
إن التركيز المُفرط على المؤشرات الدولية يُمكن أن يؤدي إلى سياسات غير متوافقة مع الاحتياجات والحقائق المحدّدة للمجتمعات المحلية. وقد يُعطي صنّاعُ السياسات الأولويةَ للمشاريع التي تعمل على تحسين الترتيب دون النظر في أهميتها أو تأثيرها على المجتمع. ويُمكن أن يؤدي هذا الانفصال إلى تقويض فعّالية التغييرات التشريعية ويؤدي إلى الفشل في معالجة الاحتياجات الفعلية للمواطنين.
على سبيل المثال، قد تستثمر الحكومة بكثافة في التكنولوجيا والابتكار لتحسين ترتيبها على مؤشر الابتكار العالمي، ولكن إذا كان المواطنون يفتقرون إلى التعليم الأساسي والمهارات، فقد لا تُسفر هذه الاستثمارات عن فوائد ملموسة. ويُمكن أن يؤدي هذا الاختلال إلى تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة وعرقلة الجهود الرامية إلى خلق النموّ والتنمية الشاملة.
نهج متوازن
لتعكس حقائق المجتمعات المحلية بشكل حقيقي، يجب أن يكون هناك نهج متوازن يأخذ في الاعتبار المعايير الدولية والاحتياجات المحلية. يجب على صُنّاع السياسات استخدام المؤشرات الدولية كدليل، وليس مقياساً مطلقاً، عند صياغة السياسات. يتضمن هذا:
أولاً: وضع المؤشرات في سياقها: تكييف المعايير الدولية لتناسب الظروف والأولويات المحلية.
ثانياً: إشراك أصحاب المصلحة المحليين: إشراك قادة المجتمع والشركات والمواطنين في عملية صُنع السياسات.
ثالثاً: قياس التأثير الاجتماعي: تطوير مؤشرات محلية لتقييم التأثير الاجتماعي والرفاهة ونوعية الحياة جنباً إلى جنب مع المقاييس الدولية.
رابعاً: المرونة في تنفيذ السياسات: تنفيذ السياسات التي تخدم المصالح الفُضلى للمجتمع المحلي، حتى لو كانت تنحرف عن المعايير الدولية.
خامساً: التقييم المستمر: تقييم تأثير السياسات على المجتمعات المحلية بانتظام وتعديل الاستراتيجيات بناءً على الاحتياجات المتغيرة.
الخلاصة
تلعب المؤشرات الدولية دوراً قيّماً في توفير منظور عالمي لأداء أي بلد. ومع ذلك، لا ينبغي لها أن تطغى على الاحتياجات والحقائق المحدّدة للمجتمعات المحلية. ومن خلال تبنّي نهج أكثر توازناً يدمج المنظورَين الدولي والمحلي، يستطيع صُنّاع السياسات أن يبتكروا استراتيجيات أكثر فعّالية وشاملة تعود بالنفع الحقيقي على شعوبهم. وقد حان الوقت لكي تُدرك الحكومات أهمية مواءمة المعايير الدولية مع الواقع المحلي لتعزيز التنمية المستدامة والعادلة.