أشرقت شمس النبوة بإشراقة مولد المبعوث رحمة للعالمين، وخاتم النّبيين، مع طلوع شمس يوم الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل، الموافق لعام 570م، مناسبة مميّزة مطلقاً، مَعنِي بها العالمين من أهل الثّقلين، حُفَّت بآيات وعلامات عدة تشيرلبركتها وتُبشِّر بقدوم المبعوث رحمة للعالمين.

لقد تَجلّت ليلة مولده ظواهر طبيعية، وغير طبيعية، فقد انشقّ القمر، وهَلّت سحابة من نور حول مكة، وسَطَعَ نجم جديد هو نجم أحمد، وهو علامة على مولد نبي آخر الزمان، ودلالته مسطّرة في الكتب السماوية التي سبقت. ويصف الذين حضروا ولادة المصطفى أنَّ النجوم كانت تدنو من الأرض لشدة ضياء تلك الليلة، وخمدت نار فارس.

وأحداث تزامنت مع مولده صلى الله عليه وسلم، فكان فيها آية ودلالة، أبرزها واقعة أصحاب الفيل، والتي نُسب العام لها فسُمِّي بعام الفيل، في هذا الحدث، حدث حاول فيه أبرهة الحبشي، حاكم اليمن، مهاجمة مكة المكرمة باستخدام جيش من الفِيَلة، بهدف تدمير الكعبة، فجعل الله سبحانه وتعالى آية أن أرسل طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجّيل، برهان على أن للبيت رباً يحميه، ودلالة على قدسيته، إذ هو في رسالة المبعوث الأمين قبلة للعابدين.

كما أن مجيأه حفّته معطيات فيها آية وعلامة على نبوؤته، فقد توفّى والده قبل ولادته، وفي ذلك دلالة، فليس من الممكن يكون المولود سيداً، في حضرة والده، وهو كذلك، بل سيد الأولين والآخرين. وحين التمسوا له المراضع، تزهّدن فيه ورفضنه، وتطلّعن إلى غيره حين عرَفنَ أنّه يتيم، خشية عدم الحصول على الأجرة، فأخذته حليمة السعدية حينما لم يبقَ رضيع غيره، وما كانت تدري أنها سترضع نبياً رسولاً.

وفي ذلك آية ودلالة حتى يشارك ويعايش ابتلاءات الجميع منذ ولادته، وليكون منهم، لا يتميز عنهم في شيء، وفق ما جاء في قول ربنا «كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ»، كما أنّ معايشة الشدائد تولد الرّحمة، فهي بمثابة التأهيل للّين والعطف على الآخرين، فهي مقوّمات متجذرة منذ الولادة، ليكون رسول الرحمة، كما أراد ربّنا في قوله تعالى «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ».

مولد مشهود له بالآيات ودلالات، ليس كمثله مولد، فهو مولد سيد المرسلين وخاتم النّبيين، المبعوث رحمة للعالمين، عليه أفضل الصلاة والسلام إلى يوم الدّين.