«القوات النظامية تشعر بحاجة إلى تعزيز حملتها للقضاء على المقاتلين المعارضين في جنوب دمشق، ولا يمكنها محاربتهم من دون اللجوء إلى قوتها الجوية، أما بالنسبة للفلسطينيين، فهم منقسمون ويقاتلون إلى جانب طرفي النزاع السوري المستمر منذ 21 شهراً، وأن اشتباكات مستمرة منذ 48 ساعة تدور في الحجر الأسود وعلى أطراف المخيم بين مقاتلين من اللجان الشعبية في اليرموك التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة، وهي فصيل موال لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومقاتلين من كتائب عدة مقاتلة بينهم فلسطينيون».
هذا تصريح أدلى به عبر الهاتف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في اتصال مباشر مع إحدى الفضائيات العربية.
«إن المخيم يعيش حالياً حالة حرب حقيقية، جراء هذه الاشتباكات، مشيراً إلى أن الغارة الجوية تزامنت مع تحقيق الجيش السوري الحر تقدماً في داخل المخيم»، تصريح من ناشط في اليرموك قدم نفسه باسم أبو محمد»، نقله موقع صحيفة «الخليج» الإماراتية الإلكتروني.
« أدانت السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) قصف طائرات سورية مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق مما تسبب في مقتل وجرح عشرات المدنيين، وطالبتا بوقف استهداف المخيمات الفلسطينية في سوريا. وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن القصف على المخيمات الفلسطينية في سوريا يجب أن يتوقف فوراً، وأن السلطة تتابع بقلق بشديد ما يجري في سوريا من إقحام المخيمات والشعب الفلسطيني بالصراع الحالي الذي وصفه بالمؤسف.
جاء ذلك في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية (وفا).
« 25 شخصاً (من سكان مخيم اليرموك الفلسطيني) قتلوا بقصف نفذته طائرات ميغ، وأصاب مسجد عبد القادر الحسيني الذي كان يؤوي نحو ستمائة نازح من حيي التضامن والحجر الأسود جنوبي دمشق».
هذا ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية.
«بقي نحو 500 لاجئ فلسطيني في سوريا لمدة طويلة في منأى عن النزاع المستمر منذ 21 شهراً، لكن هذا العامل دخل على خط الأزمة مع انقسام بعض الفصائل في القتال إلى جانب طرفي الصراع، رغم دعوات دولية لعدم تورط اللاجئين الفلسطينيين في الأزمة».
هذا ما نشره موقع «إيلاف الإلكتروني».
باختصار شديد، أنه، وعلى مدى ما يربو على النصف قرن، ما يزال الفلسطيني، نازحاً مشرداً قاطنا في المخيمات كان، أم مواطناً من الدرجة التاسعة يعيش تحت نيران الحكم الصهيوني، أم حاملاً لهوية دولته التي ما تزال تصارع من أجل انتزاع اعترافاً لها في المحافل الدولية، مضطراً إلى دفع ضريبة باهظة الثمن عند نشوء أي شكل من أشكال النزاعات الداخلية العربية، قطرية وفي نطاق الدولة الواحدة، أم إقليمية بين دولة عربية وأخرى، سواء كان له شأن في تلك النزاعات، أو حتى عندما يقرر الوقوف على الحياد من أطرافها.
التاريخ العربي المعاصر مليء بالدلائل التي تثبت أن الفلسطيني، والحديث هنا عن المواطن الفلسطيني العادي البعيد كل البعد عن السياسة والساسة، كان يتحول مجبراً، في حالات كثيرة، إلى رقم في معادلة الصراعات العربية، ويكون ثمناً زهيداً لتسوية نزاعات عربية، نشأت بفضل ظروف داخلية محضة، أم اندلعت بإيعاز من طرف قوى خارجية تنفيذاً لمشروعات تخدم مصالحها في المنطقة.
ونبدأ بالحرب الأهلية اللبنانية، والتي لم تبدأ كما يروج لها البعض في 13 أبريل 1975، وعرفت باسم «حادثة البوسطة»، وإنما في 26 فبراير من العام ذاته عندما أصيب النائب الصيداوي معروف سعد بطلق ناري أدى إلى وفاته في 6 مارس 1975. معروف سعد عرف عنه، كما تقول الكثير من الشهادات التي كتبت حوله، شدة إيمانه «بالقضية الفلسطينية وبضرورة تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني عربياً، وحرصه الشديد على مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم وتبني قضاياهم. ومساندة قوى المقاومة الفلسطينية الناشئة في المخيمات». لكن الفلسطينيون لم يرغموه على ذلك، بل كان سلوكاً طبيعياً لذلك الجيل من السياسيين العرب.
مهد ذلك الاغتيال لنشوب الحرب الأهلية اللبنانية، التي ليس هناك من يقلل من أعبائها التي حمل نسبة عالية منها المواطن اللبناني، لكن بالمقابل، راكم الثروات الهائلة من ورائها تجار الحروب، بمن فيهم بعض اللبنانيين أنفسهم. بالقدر ذاته كشفت تلك الحرب عن ذلك الثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون، ليس بتهجير نسبة لا يستهان بها منهم من لبنان فحسب، وإنما تلك المجموعة المتكررة من المجازر الوحشية، ليست تلك التي عرفناها باسمي مخيمي «تل الزعتر» و «صبرا وشاتيلا»، سوى الأبرز فيها.
لو كان الفلسطينيون هم وراء تلك الحرب، كما يحلو للبعض أن يروج، فلماذا استمرت هي واستمر معها مسلسل الاغتيالات حتى بعد خروج الفلسطينيين من لبنان في أغسطس 1975. ويمكننا اقتطاف مقطع يشير إلى صحة ما نذهب عليه بالوقوف عند بعض التحليلات التي حاولت وضع الإصبع على الدوافع، وتشخيص الأسباب، التي قادت إلى محاولة الاغتيال التي تعرض لها العماد ميشيل عون في سبتمبر 2012، في منطقة قريبة من تلك التي شهدت الاعتداء على معروف سعد، والمقارنة بين الحادثتين، جاء فيها «المنطقة التي حصل فيها الاعتداء فيها أكثر من ثغرة أمنية وهي حمالة أوجه تلعب فيها الأجهزة الأمنية الإقليمية والعربية والأجنبية والمحلية لعبتها منذ 35 عاماً عندما تم اغتيال معروف سعد في شباط عام 1975، وأسس هذا الاغتيال للحرب اللبنانية وبوسطة عين الرمانة».
من سخريات القدر، وربما من رغبته في تبرئة الفلسطينيين، أنه وبعد مرور ما يزيد على ربع قرن، في شهر فبراير، وتحديدا في 14 فبراير 2005، تمتد أياد، لا يستبعد أن تكون مرتبطة بمن اغتالوا معروف سعد، كي تفجر سيارة كان يستقلها زعيم لبناني من أبناء صيدا أيضاً هو رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
المشهد ذاته تكرر عندما غزت قوات الرئيس العراقي صدام حسين الكويت في مطلع التسعينات من القرن الماضي، حيث تعرض خلالها الفلسطينيون المقيمون في الكويت لضغوطات عالية، قاوموها، من أجل انتزاع اعتراف علني منهم بشرعية ذلك الغزو، ولم ينج من رفض ذلك من بطش زبانية صدام عندما كانوا يسيطرون على الكويت. لكن الأسوأ هو تلك الحملة الانتقامية التي تعرض لها من بقي منهم في الكويت بعد إخراج تلك القوات الغازية من الكويت، عندما شنت الكويت، حكومة وشعباً، وفي ردة فعل غاضبة، ضدهم حملة أخرى، اعتبرتها عقاباً لهم على ذنب لم يقترفونه. ليس القصد هنا الدفاع عن تصريحات القيادة الفلسطينية المؤيدة لصدام حينها، فالحديث منصب على الفلسطينيين من سكنة الكويت، والذين قدموا للكويت خدمات لا يستطيع أحد إنكارها.
باختصار يدفع الفلسطيني، والمقصود هنا المواطن الفلسطيني العادي الذي أرغمته ظروف التهجير أو اللجوء، ثمن جريمة لم يقترفها، اللهم إلا إذا اعتبر اللجوء القسري الذي وجد ذلك الفلسطيني نفسه مرغماً على القبول به، ولا يستطيع الفكاك منها، جريمة تستحق العقاب.