بصرف النظر عن الاختلاف أو الاتفاق مع الأسلوب الذي يدير به الرئيس محمد مرسي البلاد، والأدوار التي يضطلع بها حزبه «الحرية والعدالة» ومكتب إرشاد جماعته «الإخوان المسلمون» ومسؤولية الرئيس والحزب والجماعة عن الحال التي أصبحت عليها مصر، وبصرف النظر أيضاً عن رفض أو التسليم بـ «تورط» جبهة الإنقاذ أو باقي قوى المعارضة في توفير «غطاء» سياسي للعنف، فإن تعاطي كل الأطراف مع الأزمة يثير من التساؤلات أكثر من الإجابات، ما يجعل من المهم فهم الطريقة التي تفكر بها السلطة» أو «الحكم» أو الرئيس وحزبه وجماعته، باعتبار أن المعارضة إذا كانت تحتفظ بالقدرة على تحريك الشارع فإن الحكم لديه كل الآليات التي تمنحه فرصة إعادة الهدوء، لكنه حتى الآن يعطلها ولا يستخدمها.
هل فعلاً يفكر «الإخوان» جميعاً بطريقة واحدة؟ هل يرون المشهد نفسه مهما اختلفت الزاوية التي ينظر منها كل منهم إليه؟ لماذا تكون ردود فعلهم دائماً واحدة ومتطابقة ومنسقة تجاه كل حدث وكأنهم اتفقوا عليها حتى لو صدرت بعد لحظة من وقوعه؟ كيف يتوقعون أن يكمل مرسي ولايته إذا بقي الارتباك عند مستواه الحالي ناهيك عن تصاعده؟
أسئلة أخرى تطرحها الحالة المصرية الآن في شأن «الإخوان»: هل كلهم مقتنعون بأن الرئيس على صواب دائماً وأن معارضيه على باطل غالباً؟ ألم يسجل أحدهم أي ملاحظة أو خطأ على أداء الرئيس، أو تحفظ على سلوك الحزب أو تصرفات الجماعة؟ هل هم مقتنعون بأن مرسي يدير مصر وحده وفقاً لرؤيته أم يدركون أن لقادة «الإخوان» وخصوصاً في مكتب الإرشاد أدواراً في إدارة الدولة؟ هل يصدقون أن مصر ستعبر هذه المحنة وتنجو من تلك الفتنة بالطريقة التي يتعاطى بها الرئيس مع الأحداث والمشاكل والكوارث وبالأساليب التي تتبعها الجماعة في التعامل مع الواقع؟ هل تمثل تجربة «الإخوان» في حكم مصر إضافة إلى المشروع الإسلامي الذي حملت الجماعة لواءه على مدى 80 سنة أم تخصم منه؟ أخيراً: كيف ينتظر قادة «الإخوان» تغييراً في الشارع وتبديلاً في المشهد السياسي من دون أن يقدموا على أي تغيير والاكتفاء بتكرار الحديث عن أخطاء المعارضة وخطايا جبهة الإنقاذ والغطاء السياسي الذي توفره للعنف من دون التلويح أو التصريح بأي تراجع أو استسلام من الرئيس أو الحزب أو الجماعة؟!
اللافت أن بعض «الإخوان» يرون الرئيس متساهلاً، إن لم يكن متخاذلاً، في تعامله مع معارضيه وهم يحضونه على مزيد من الشدة والحسم وربما البطش طالما بقي الشارع ساخناً. ويعتقدون بأن «تسليح» الداخلية ومنح رجال الشرطة حق إطلاق الرصاص الحي على مستخدمي المولوتوف أو «الشماريخ» أو قاذفي الحجارة أو مهاجمي الاتحادية والمنشآت العامة كفيل بحل الأزمة. وكأن العنف هو الأزمة نفسها وليس نتيجة لها.
في المقابل هناك سيناريو أكثر بساطة وأقل كلفة وأسهل في التنفيذ، لكن لا يبدو أنه وارد لدى الرئيس وحزبه وجماعته، يقوم على إقالة النائب العام والطلب من المجلس الأعلى للقضاء تعيين بديل له، وتشكيل لجنة من خبراء قانونيين تبحث مع القوى السياسية المواد المطلوب تعديلها في الدستور، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تعالج بعض أخطاء حكومة قنديل، وتعاون الرئيس على إدارة البلاد، وتتولى الإشراف على الانتخابات البرلمانية المقبلة، وتنزع المخاوف والشبهات من تزويرها لمصلحة «الإخوان». إنه سيناريو المدينة الفاضلة، سهل تحقيقه لكنه غير مطروح أصلاً لدى «الإخوان» بدعوى أنه يمثل خضوعاً للعنف وإضراراً لهيبة الدولة، أو يؤثر في صورة الرئيس. وكأن العنف ينتهي وحده، أو أن هيبة الدولة لم تتأثر بقرارات متخبطة مرتبكة، أو أن صورة الرئيس لم تتأثر، وقصره صار في مرمى نار الغاضبين، أو أن صورة الرئيس ستبقى على حالها وهو يخرج من عثرة ليقع ومعه البلاد في كارثة!
يكرر «الإخوان» تجربة المجاهدين الأفغان الذين تعاونوا واتحدوا واستثمروا دعم العالم لهم في حربهم ضد الاتحاد السوفياتي السابق، وانتصروا وطردوا الشيوعيين لكن، بعدها تنازعوا وتفرقوا وفشلوا في إدارة الدولة، وحارب بعضهم بعضاً، فقفزت حركة «طالبان» إلى الحكم وجرى ما جرى بعدها، وانتهى الأمر بالغزو الأميركي لأفغانستان. هل يصل «الإخوان» إلى النتيجة نفسها فيتأفغنون؟ العناد ليس من السياسة في شيء والاستمرار على النهج نفسه سيدخل البلاد في أتون حرب أهلية والتباطؤ أو التلكؤ أو المناورة لن تنتج سوى مزيد من العنف وكثير من الدمار، ولن يؤدي إلى «أخونة» مصر بل ربما تكون النتيجة أفغنة «الإخوان».

عن «الحياة» اللندنية