أرهب فيديو لا يتجاوز دقائق تنظيم «داعش»، الفيديو للداعية عمرو خالد عبر محاورته لشاب تبنى أفكار «داعش». حوار أعطى معنى واحداً حول مفهوم «الجهاد والقتال»، ويدور حول سؤاله بأن الله أمرنا بالقتال والجهاد لكل أعداء الإسلام، فرد علية بأن هناك خطأ كبيراً؛ فهناك فرق بين الجهاد والقتال، حيث كل آيات الجهاد متفقة على بذل الجهد والعطاء والبناء، والقتال ما هو إلا معركة متعادلة بين جيشين وليس معركة فردية.
المشكلة تكمن بعدم قراءة القرآن جملة واحدة، وقد أوضحها الداعية بطريقة سلسة تنتهي برد الاعتداء على المعتدين بعد استنفاد كل وسائل السلام وطرق جميع أبوابها، وحين يستفحل الأمر عليكم بالقتال بالمعركة العادلة والفاصلة؛ وإلا فكل قطرة دم كويتي وفرنسي ومصري أو سني وشيعي، أو أياً كان، في رقبة كل من أهدر دماً وحلله على سبيل الجهاد.
السياسة الدولية وضعت «التعايش السلمي»، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى قسمين، هذا المصطلح هو القائم على التعاون بين دول العالم على أساس التفاهم وتبادل المصالح الاقتصادية والتجارية.
هل تعايش الإسلام مع الأديان سواء السماوية أو غير السماوية؟ هذه العلاقة من الناحية العقائدية بين المسلم وغير المسلم تنظمها السورة الكريمة «سورة الكافرون» والتي أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك حدود العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، والتي تلخصها في «لكم دينكم ولي دين»، وتاريخنا الإسلامي دليل واضح على عقد الرسول صلى الله عليه وسلم العهود والمواثيق مع كفار قريش، ودعا إلى احترام وعدم نقض الوعود والعهود مع غير أهل الذمة من الكتابيين، هذه العهود تضع أسس التعايش السلمي المشترك ولا تلزم أحداً على الملة، مع احتفاظ كل بدينة وبشرعيته واحترام معتقداته ودون إلزام الآخر بها، خير مثال على ذلك بلاد الأندلس باختلاف أديانها وطوائفها أنتجت حضارة رائعة وعلماء متميزين مازال العالم ينهل منها.
وضعنا الحالي في الوطن العربي الممزق بالطائفية، أو بالأحرى بمن يحاولون إثارتها وإشعال الفتنة فيها، فنرى الآلاف يتقاتلون بالهوية «سني وشيعي»، أما آن لنا أن نتحدث عن التفاهم في العالم العربي الإسلامي، فنحن لا نتحدث عن عدو خارجي أو احتلال، نتحدث عما يحصل بيننا نحن بعضنا بعضاً، وأننا لا نعرف كيف نحيا معاً وماذا بعد الشجب والاستنكار بالأخبار المكررة في جميع الصحف عن الإرهاب، لكن موضوع التعايش والحوار مفقود في كل مكان مما يجعلنا لقمة سهلة للإرهاب ودخول الفتن بأريحية، لأنه لا يوجد حوار ولا تعايش من الأساس بدءاً من بيوتنا، ففي البيت لا توجد ساحة حوار؛ الأب لا يتحدث مع أبنائه، والأبناء أغلقوا على أنفسهم لا يتحدثون مع الأهل، وأقمنا داخل البيت بيوتات مجزأة لكل واحد هويته. أما في المدارس والجامعات فلم يعد هناك حوار بين الأستاذ والتلميذ، وباختصار فقد فقدنا لغة التعايش بيننا؛ فنسبة الطلاق في ازدياد ما يسبب تفرق العائلات وضياع الأبناء من أجل أسباب تافهة جداً، والمحاكم امتلأت بالمشكلات والقضايا، وجيلنا والأجيال القادمة أخذت تنعزل مع «السوشل ميديا» والمخدرات والتطرف والانحراف الفكري والسلوكي، والسبب أنه لا يجد من يحاوره أو يتعايش معه. حتى في المساجد نختلف مع بعضنا في أدق الأمور وأسخفها ونحولها لقضية كبيرة وكراهية، وذلك بسبب عدم قدرتنا على تقبل بعضنا بعضاً، وأن ندرك أن خلافاتنا في الفروع وليست في ثوابت الإسلام، وهذا الخلاف قد يصل إلى حد التجريح والسباب بسبب أننا فقدنا لغة الحوار والتعايش معاً، وهناك من يعتقد خطأ أن معنى التعايش أن تفقد نفسك وشخصيتك وتذوب في أفكار ومعتقدات الآخرين مجبراً على نهجهم وعقائدهم، ولكن المعنى الحقيقي للتعايش هو احترام البعض دون فقدان الهوية الخاصة، فنحن بطبيعتنا مختلفون وهذا من الحكمة الإلهية، فاختلاف القول واللون واللغات والأفكار والقوميات هي دعوة للتعارف، كما جاء في كتاب الله «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» وليس لتتقاتلوا بسبب الاختلاف.
- الوطن والنهضة..
علموا أبناءكم الإسلام الصحيح الحق، كي يكبر الابن متحصناً ويصبح مؤمناً بحق بالإسلام الصحيح وبعيداً عن الأفكار المتطرفة، مؤمناً بالإسلام الذي يدعو للتعايش وهو محتفظ بهويته، لأنه متعلق بنهضة بلد، فكيف سننهض بوطن ونحن لا نعرف كيف نتعايش مع بعضنا بعضاً؟!