لماذا تعمل في مؤسستك؟ سؤال تبادر إلى ذهني بعد عدة مواقف مرت أمامي في العمل، وبعد سنوات من مواقف الخبرة التي مررت بها في محيط العمل على اختلاف أنماطه والتي كان لها الأثر الكبير في حياتي، وفي تغيير مسار استراتيجيات التعامل والأخذ والعطاء والتغيير.. أسرعت بعدها إلى مجموعة من أصحابي ممن أعتز بصحبتهم والعمل معهم، طرحت عليهم هذا التساؤل؟ منذ الوهلة الأولى يبدو أن السؤال بسيط وغريب في طرحه.. لأنه من البديهيات، هذا ما أحسسته عندما طرحت التساؤل! ولكن في حقيقة الأمر من ورائه العديد من الأسس والمرتكزات ورسائل عدة يجب أن تصل إلى مسامع كل من وفق للعمل في مكان ما.. أيا كانت طبيعته، نعم اسأل نفسك: لماذا تعمل في مؤسستك؟
ولعلي خلال هذه الوقفة القصيرة أسلط الأضواء على عدة مرتكزات تجيب على هذا التساؤل، وأراها الأهم، في نجاح واستمتاع كل موظف في عمله.
رسالة حب يجب أن يبعثها كل موظف لكل من يتعامل معهم في محيط عمله، بأن «الحب» قيمة أساسية في نجاح فريق العمل، وفي إيجاد البيئة الخصبة، وفي تشجيع الموظفين على القيام بمهامهم وتسخير كل طاقاتهم لتجويد العمل، الحب أن تنظر بإيجابية وتقدير إلى كل عمل يقوم به غيرك، لا أن تنتقده وتظهر العيوب فيه،
رسالة حب تحمل بين طياتها «إتقان العمل» يجب أن نرسلها إلى الآخرين لنؤكد لهم بأن العمل يجب أن يكون في قمة مستواه عندما نقوم به، فالإتقان يأتي بمعنى «الإحكام» واستيفاء كل الشروط حتى يتقن العمل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، وقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الإتقان ولأمور قد يراها البعض بسيطة لا تستلزم أن نقف أمامها، فقد كان عليه الصلاة والسلام في جنازة ولما وصلت إلى البقيع جاء أحد أصحابه وحفر القبر ووضع الميت في القبر وردم القبر، ولم يكن في عمل هذا الرجل إتقاناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره، ولكن الله يحب من العامل إذا عمل عملاً أن يتقنه». قد لا يطلب المسؤول من مرؤوسيه أن يكتبوا تقريراً عن عملهم، ولكن يبادر أحدهم إلى صياغة تقرير متكامل عن عمله مدعماً بالإحصائيات المطلوبة، وقد يحرص الآخر أن يقدم فكرته في ورقة يختزلها في سطور مقتضبة، في حين قد يكون من الأفضل أن يتقن تقديمها من خلال الالتزام بضواط صياغة الفكرة وتقديم دراسة الجدوى والفائدة المرجوة وأمثلة من الواقع، وقد تزور أحدهم في مكتبه فيلفت نظرك تلك الأكوام الهائلة من الأوراق المكدسة على المكتب.. في حين ترى مكتب الآخر خالٍ من أي ورقة.. ذلك لأن درجة إتقانه جعلته لا يتأخر في عمله وفي تقديم الخدمة للآخرين، وفي تصريف الأوراق بقرارات إجرائية آنية لا يسوف فيها أبدا..
أما رسالة الحب الثالثة التي تجيب على ذلك التساؤل، فهي الخاصة بمرادف الإتقان، وهو «الإخلاص والنية»، يقول الشيخ محمد النابلسي: «ينبغي أن ينوي العامل بعمله أن ينفع المسلمين، وأن يعبد الله في عمله، أن يطيع الله في عمله، من بعد عن الغش والكذب والتدليس والخطأ والخلل وإخفاء العيب..». ويضيف: «إذا عرضت هذه الطاولة على كل الناس، يتأملونها من فوقها ومن تحتها ومن جوانبها، فيقولون: والله هذه صنعة متقنة، بارك الله بمن صنعها، يجب أن تعمل عملا لا تسمح لأحد كائنا من كان أن يقدم لك ملاحظة، أن تقطع بعملك كل لسان، أن لا تبقي مقالة لقائل، هذا هو الدين، والنجاح في الحياة يحتاج إلى إتقان في العمل».
هذا ما أردنا أن نجيب عليه على ذلك التساؤل في هذه السطور المعدودة..
فأنت تعمل حتى تفرض نفسك على الآخرين بإبداعك وإخلاصك وإتقانك وجودة عملك.. تحضر إلى عملك قبل الآخرين.. تستغل كل أوقاتك في الإنجاز ومتعة العطاء.. تحرص على أن تقدم عملك في أجمل صورة.. تسلمه قبل أن يطلب منك.. تتقن ابتسامتك مع من حولك.. تعطي من أخطأ بحقك درسا في إتقان الاحترام المتبادل.. بأن تبادله ابتسامة تخفف من ثورة غضبه.. تبادر بإيجاد الحلول الملائمة لكل مشكلة قد تعترض عملك.. وتقترحها قبل أن تفرض عليك.. عندما تكلف بمهمة في صميم عملك.. فأتقن مهاراتك في إنجازها.. تابعها في نفس الوقت وأنجزها.. وأحط علما كل من يهمه الأمر.. وتذكر أنك بتأخيرك في إتقان الإنجاز قد تعطل مصالح الآخرين.. وعندما تتكرر مراجعة الغير لك عن أي مسؤولية كانت.. فحينها تأكد بأنك مقصر في الإتقان.. لأنك مطالب في إنجاز العمل في حينه، وإحاطة من يعنيه الأمر علما بإجراءاتك وجهودك.
الحب والإتقان والإخلاص ثلاث رسائل حب جميلة.. لا بد أن تتمعن فيها.. وتحرص على توظيف معانيها في محيط عملك.. لأنك بالفعل تعمل من أجل أن تفوز بأجر الدنيا أولا، ثم بأجر الآخرة والظفر بالجنة الغالية.