جولة جديدة من الانتخابات النيابية جرت في ظل نظام «ولاية الفقيه» وبرعاية الحرس الثوري وتحت إشراف مجلس صيانة الدستور الذي يعتبر عيناً ومقصاً لـ «الولي الفقيه» لحذف من يشاء من المرشحين حتى لو كان مستوفياً لكل الشروط القانونية المطلوبة، وهذه الجولة الجديدة قد تمت في ظل تحوطات وإجراءات أمنية استثنائية من قبل الحرس الثوري والاستخبارات دلت على رعب وهلع السلطات الإيرانية من أية تطورات أو مستجدات أثناء عملية الانتخابات.
لم يمكن التعويل على هذه الانتخابات من جانب الدول الغربية خلال هذه الجولة، خصوصاً من حيث الانخداع والانبهار بالتيار الإصلاحي المزعوم والذي يملأ الدنيا صخباً منذ 18 عاماً، ولكن لم يتمكن هذا التيار وطوال كل هذه الأعوام من تخطي الحدود المسموحة له بموجب القوانين والأنظمة المرعية في نظام «ولاية الفقيه» وإن أكبر دليل على كذب وزيف مزاعم ودعاوى هذا التيار هو أنه لم يقم بأي تغيير أو تطور في الأمور والأوضاع نحو الأحسن عندما كان له الأغلبية في البرلمان السادس.
تيار الاعتدال بل وحتى حكومة الاعتدال المزعومة «حكومة الإعدامات»، والذي جاء أساساً بمباركة وموافقة من «الولي الفقيه» من أجل فك الحصار الذي كان مفروضاً على النظام، والذي ضيق الخناق عليه إلى الحد الذي أوصله إلى حد الاختناق جراء المشاكل والأزمات التي كانت ولاتزال تحاصره من كل جانب، كان ولايزال إحدى وسائل نظام «ولاية الفقيه» من أجل التخلص من مشاكله وأزماته وفك العزلة الدولية عنه، وكما يبدو فقد استفاد منه كثيراً ولاسيما في التضليل والتمويه على المجتمع الدولي وخداعه.
الجولة الأخيرة من الانتخابات وقف منها الشعب الإيراني موقفاً سلبياً ولم يثق بها ولا بنتائجها، والتي جاءت في ظروف وأوضاع بالغة الخطورة والحساسية ولاسيما وأنها أتت عقب الاتفاق النووي والذي تنازل من خلاله «الولي الفقيه» عن القنبلة النووية، حيث يبذل النظام ومن خلال جناح رفسنجاني ـ روحاني ما في وسعه من أجل إعداد وتأهيل النظام بما يجعله مقبولاً ومستوفياً للشروط والمواصفات الدولية المطلوبة، ومن هنا فإن ما قد صرح به وزير الداخلية الإيراني من أن نسبة المشاركة ما بين 65 و 70%، هو مسعى يجري بهذا الاتجاه لإضفاء المزيد من الشرعية والمصداقية ليست على الانتخابات فقط وإنما على النظام نفسه أيضاً.
الواضح جداً أن الانتخابات في ظل «ولاية الفقيه» وبرعاية الحرس الثوري والاستخبارات لايمكن أبداً الاعتداد والوثوق بها خصوصاً وأن تجربة أكثر من 3 عقود بهذا الخصوص قد أثبتت تلك الحقيقة خصوصاً وأن الشعب الإيراني قد نفض يديه تماماً عن هذه الانتخابات ولم يعد يعول عليها بالمرة، إذ صار معلوماً بأن الانتخابات قد استخدمها النظام دائماً كإحدى الوسائل المطلوبة من أجل إضفاء الشرعية عليه.
صناديق الاقتراع تعتبر في أي بلد ديمقراطي أساساً ومعياراً من أجل التغيير، غير أنها في إيران وفي ظل نظام «ولاية الفقيه» قد صارت أداة ووسيلة يستغلها هذا النظام أبشع استغلال ليس من أجل خداع الشعب الإيراني فقط وإنما العالم بأسره وحتى تعويل الغرب على هذه الانتخابات من خلال ثقته بمزاعم الإصلاح والاعتدال في إيران، ي?كد نجاح مخطط هذا النظام في خداع العالم والتمويه عليه، وإننا واثقون وإلى أبعد حد بأنه حتى على فرض فوز الإصلاحيين المزعومين في الانتخابات، فإن ذلك لن يغير من الأوضاع شيئاً، في استمرار السياسات العدوانية للنظام من حيث ممارسة القمع والاضطهاد ضد الشعب الإيراني أولاً، وتصدير التطرف والإرهاب لدول المنطقة والعالم ثانياً، ولا يمكن أبداً ضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة ذات مصداقية طالما بقي هذا النظام في الحكم فهما نقيضان لايلتقيان أبداً.
* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان