لا أعلم لماذا أضطر للكتابة مجدداً عن «الأيام الحلوة» التي مرت على أطياف حياتي، واختزلت ذكراها في مخيلتي، مازلت أذكر لحظاتها وأحاسيسها المتدفقة من نهر الحياة.. قد لا يعي القارئ ماذا تعني لي تلك المواقف في عهود الأيام الحلوة، وقد لا يدرك مغزاها عندما يقرأ سطورها العابرة.. ولكن باستطاعته أن يتمعن فيما وراء السطور إن أحسن إطالة النظر في معانيها.. فهي ليست مجرد بضعة أيام عادية تمر بأي إنسان.. وليست مجرد أسماء لامعة تلألأت في سمائها.. بل هي قصص متتالية من النجاح والعظات.. وبلسم للنفس.. لها مدلولاتها الخاصة في نفس من عايشها..
* اللحظات الجميلة الأولى كانت مع الحروف المتراقصة والمعاني المضيئة والمقالات النابعة من ضمير الحياة، تلك التي عايشتها مع مؤلفات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، والتي تعلمت منها الكثير في الانطلاقة المثلى في عالم الحروف المثيرة.. كتابات الشيخ علي الطنطاوي كتبها من واقع الحياة، بأسلوب أدبي متذوق للمشاعر يحاكي النفوس، ويكتب دروس الحياة على جدران كل من يقرأها.. ومازلت أعشق العودة إليها مرات ومرات.. فقد علمتني الكثير..
* الأيام الحلوة التي قضيتها مع شيخي في تجويد القرآن الكريم «أبوالخير» الذي تطوع ليدرسني مع اثنين من الشباب.. حينها لم تكن تلك الحلقة التعليمية رسمية، ولا يحصل من خلالها على أجر مادي.. صبر معنا قرابة السنة أو أكثر.. وهو يدربنا ويحفزنا للحصول على «رواية حفص».. وإن غبنا وفترنا.. سأل عنا ودفعنا للتعلم.. وكانت النتيجة الحصول على الرواية «في النظام القديم».. بالفعل ربطتنا وشائج الأخوة وحب الخير وكسب الأجر والمثوبة.. فجمعتنا مع شيخنا أبوالخير لنتدارس كتاب الله الكريم.. حزم معنا لنظفر بالنهاية بتلاوة صحيحة لكتاب الله الكريم.. بأسلوبه المرن والمرح والهادئ.. فجزاه الله عنا كل خير وأجزل له المثوبة والأجر.
* «حجي علي» مؤذن مسجد الإيمان سابقاً أسبغ المولى عليه لباس الصحة والعافية وأمد في عمره.. جمعتنا معه لحظات رائعة في «مسجد الذكريات».. على الرغم من كبر سنه حينها، إلا أنه كان حريصاً على التبكير للمسجد، والمكوث فيه وتلاوة القرآن الكريم بصوته الشذي وقراءته الجميلة.. كان لنا موجهاً وناصحاً وقدوة في اهتمامه بالمسجد وبالصلاة وبقراءة القرآن الكريم.. مذاق كبار السن له نكهة خاصة.. فلم يعد أبطال عصرنا كأبطال زمانهم..
* الأستاذ عبدالرحمن الكوهجي «بوأسامة» والأستاذ محمد عبدالرحيم «بوهشام» كانا من أصحاب الفضل علي بعد الله تعالى في تعلم العديد من المهارات الإدارية والقيادية والإعلامية على عتبات المرحلة الثانوية.. وبجانب دروسهما الممتعة، فقد فتحا أبواب قلوبهما لاحتواء الطلبة في مجال الأنشطة المدرسية اللاصفية.. وأشرفت حينها على تحرير وطباعة وإخراج مجلة «الإشراق» التي مازلت أحتفظ بنسخ منها.. هذا بخلاف البرامج المنوعة التي اكتسبنا منها العديد من المهارات القيادية.. فكم كانت تلك الأيام جميلة.. جزاهما الله خير الجزاء وبارك في عمرهما.
* الأستاذ حسن زويد كان له الفضل بعد الله تعالى بأن أكون أحد أفراد فريق خدمة الأيتام والأرامل والمحتاجين في هذا الوطن الغالي.. فقد فتح لي الأبواب واسعة للانطلاقة المثلى في هذا العمل الخيري والوطني الجميل.. جميل أن يتذكرك أحدهم في لحظات يبحث فيها عن ناشط اجتماعي وخيري يخدم وطنه.. تلك اللحظة التي لا أنساها.. ولم أتردد أبداً في قبولها وقبول دخول اختبار الانتقال لوظيفة جديدة في معترك الحياة.. وبحمد من الله وفضله استطعت أن أكون أحد أفراد أسرة الخير الجميلة.. اللهم بارك له في صحته ووفقه إلى كل خير.
* اللحظات الجميلة التي أقضيها مع د.مصطفى السيد الأمين العام للمؤسسة الخيرية الملكية ومازلت، أبرزت أمام ناظري معاني السعادة والأمل والتفاؤل والنجاح.. فالفترة الأولى التي عايشته فيها في نطاق المؤسسة الخيرية الملكية انطبعت في مخيلتي عدة قيم.. هي التي أجددها في حياتي بين الفينة والأخرى.. «طنش تعش تنتعش».. و«امرح وابتسم».. و«اجعل روحك خفيفة لطيفة».. «احترم من تتعامل معه».. «قدر إنجازاته».. و«خلك دائماً على أمل أن تصل يوماً ما إلى مبتغاك».. «بروح تحب الخير».. وأخيراً «العطاء والكفاح لا يرتبط بعمر معين في حياة الإنسان».. والخيرية أن تكون موجوداً في أصعب لحظات العطاء.. هناك في البلدان المتعطشة للأمن والسلام والاستقرار.
* قصتي مع «الفطحل» الصغير هي قصة جميلة ارتوت معانيها من بحر التحدي والعطاء.. أسميته الفطحل منذ صغره.. لأني لمحت فيه صفات الإبداع والتحدي وتحقيق الطموحات.. فكان يطلب دائماً التميز والصعود للقمم، ويثق بمواطن التحدي ليحقق الأحلام.. هو خالد محمود الشاب النجيب المتألق اليوم في سماء العطاء البحريني.. «فالفطحل البحريني» إن جاز التعبير أضحى اليوم قامة شامخة في عدة ميادين، يجوب من خلالها الآفاق ليبصم فيها بصماته بكل كفاءة واقتدار.. بالفعل كانت أياماً جميلة قضيناها مع طلبة كتبوا التميز عنواناً بارزاً لهم ليحققوا طموحاتهم..
* لمسة وفاء:
لمسات الوفاء كثيرة.. وأيام الحياة جميلة بعطائها وهمة أبطالها الذين صاغوا قيم النجاح في حدائق النفوس.. الأيام الحلوة التي عشناها ونعيشها.. هي رسالة الوفاء التي يجب أن نحملها بين ضلوعنا.. فهي الرسالة الحقيقية التي تجدد العطاء وتكتب النجاح بأسلوب الحياة المتجدد في كل الأزمنة.. الأيام المتجددة في حياتنا كلها جميلة.. إن أحسنا رؤيتها بعين التفاؤل والوفاء والأمل.