دعنا أولاً نقرأ الفاتحة على أرواح شهداء الواجب الذين سقطوا بفعل «المظاهرات السلمية» التي تقودها ميليشيات «الوفاق» ومرتزقة «الولي الفقيه»، والذين وصل عددهم إلى 16 رجل أمن حتى اليوم، نسأل الله أن يرزق أمهاتهم وأحبابهم الصبر والسلوان، وأن يرزق الجرحى والمصابين الشفاء العاجل، وأن يعجل خلاصنا من الكائنات اللقيطة المعادية لمنطق الدين والحضارة الإنسانية، وأن يبتليهم بداء الكلب «السعار» فيعض بعضهم بعضاً، فنخلص ونرتاح من شرهم، إنه سميع مجيب الدعوات.
ثم بعد..
مرفوضة ومنبوذة ومكشوفة وعارية أية محاولات ميوعة ورخاوة من خبراء خيانة الوطن وغربان «الولي الفقيه» ضد جريمة كرباباد الشنعاء التي راح ضحيتها الشهيد محمد تنوير، وأي بيان لا يدين بأشد عبارات الإدانة الممكنة هذا العمل الإرهابي الآثم، هو بيان «جنس ثالث» لا يعتد به، ولا يعترف به.
المشكلة أن رتابة المشهد وحدته اليوم، وفي ظل هذه الظروف البائسة والكئيبة والحزينة التي نعيشها، فإن كل ما ستكتبه وتقوله اليوم ستجد نفسك قد قلته وكتبته من قبل، ذلك أننا لم نعد نكتفي بأخطاء خمس سنوات مضت والتي لم نتعلم منها، بل أصبحنا نتعامل مع حاضرنا بنفس أخطاء الأمس بكل سخافته وغباوته!!
«يمكن لمن يريد أن يتأكد أن يرجع لمقالاتي المنشورة في أغسطس 2012 من بينهم مقال «اسحقووووه.. ضحاياك زادوا واحد»، ومقال آخر تحت عنوان «حتى لا نكون أقل من بلد الوقواق يجب حل الوفاق»، وغيرهم، وستجدهم صالحين للنشر بحذافيرهم ويناسبون سيناريو الحالة التي نعيشها اليوم».
كانت صورة الشهيد محمد تنوير وهو مسجى على الأرض ودماؤه تقطر وتسيل على الأسفلت تفطر القلوب وتدمع العيون وتفجر الغضب في داخلنا، وما كان ينبغي نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يمكن أن تكون حرمة الميت محل عبث العابثين وتساهل المتساهلين.
والذي خلق السموات والأرض بالحق، لقد بحثت عن كلمة أقوى من القول بأننا نشعر بالأسى، لنقولها لأولاد الشهيد فلم أجد.. فاعذرونا من فضلكم على عجزنا وتقصيرنا.
ما حدث في كرباباد هو ثمن الخطاب التحريضي الشهير «اسحقووووهم»، والذي سكتنا عنه حتى اليوم ولم نحاسبه عليه، فهو المسؤول الأول عن تفخيخ وطن بأكمله من أجل مصلحته الشخصية، وفداء لطائفيته وإرضاء للبارانويا التى أصابته، ثم دخل بعد ذلك في البيات الشتوي، مكتفياً بمشاهدة سقوط ضحاياه الواحدة تلو الأخرى وهي تنزف دماً بسبب تحريضه وأكاذيبه، دون ذرة من ضمير أو وجل أو خوف من الله.
ولا يمكن لكل من لعق جبال الصبر طوال الخمس سنوات الماضية وهو يشاهد كل هذا الكم من الدماء وصنوف الشدة والأذى التي تطال وطنه وأهله، على يد الميليشيات الإرهابية، أن يقبل بغير القصاص ومشاهدة دموع الندم وهي تسقي عيون كل الخونة، فالندم توبة، ولذلك خلق الله الندم.
طيب، ما رأيك إذا علمت أن هذه الفقرة مقتطعة من أحد تلك المقالات التي نشرتها في 2012، أتمنى أن تكون قد وجدت في هذا الكلام القديم الذي نشرته منذ سنين أربع ما يؤكد كلامي، وأن عملية هزيمة الخونة واجتثاث إرهابهم، أمر في غاية السهولة، ذلك لو طبقنا منذ ذلك الحين، القصاص.
لن أختم مقالي قبل تذكيرك بحقيقة ساطعة، مفيدة، لكنها تبدو ضائعة تماماً خلف غبار ضعفنا الراهن وبؤسنا وهواننا على أنفسنا، وهي، أن الخونة ليسوا أقوياء بل هم ضعاف إلى أقصى حد، ولكنهم يستغلون أخطاءنا.