أعشق قلبك وأعرف أنك تحبني وتشتاق للقائي والترنم بأحاديثي.. أعرف أنك ذلك القلب الحاني الذي لا يقبل أن يراني منزعجاً لأي أمر كان.. أو أنكس رأسي من أثقال الحياة.. أعرف أنك تتصرف من وحي مجتمع دفعك لتغيير مسارك عن جادة الصواب.. أعرف أنك لا تقبل أبداً أن تكون بعيداً عن قلب أحبك وبذل أوقاته وحياته من أجلك، ومن أجل أن تكون يوماً ما أنموذجاً رائعاً في حياة البشر.. أعرف أنك تسعى أن تكون الطاقة الجبارة التي تذهل الآخرين، والومضة المضيئة التي تلفت أنظار المعجبين.. أعرف أنك مضطر أن تعيش تحت ظلال حياة تموج بالفتن والتحديات التي تجعلك تتأرجح يمنة ويسرة بين أنياب العابثين.. أعرف أن في قلبك الكثير لقلب كان لك المحضن الدافئ الذي لامس شعرك بأنامله الحانية.. عذراً لك يا «قلبي».. فأنت قلبي الذي ينبض بالحب والحياة.. فلن أدعك تتقدم كثيراً بدون أن أكون بجنبك.. فأنت تلك الأنفاس التي أتنفس بها، ونور القمر الذي أتأمله في ليلة بدرية مضيئة.. عذراً يا «قلبي».. سأضمك مرة تلو الأخرى.. لأجدد حبي لك.. وأستمتع بك مراراً وتكراراً قبل أن ترحل عني!!
أعايش تلك العقول التي تتسلق سلم الشهرة والمجد دون أن تعقل حقيقة واقعها، وتنظر إلى «جذعها الخفي» في نفسها.. فهي ما زالت تنظر إلى الآخرين بعين الاستخفاف وتصيد الأخطاء.. أو تلك العقول «العنيدة» التي تتملكها الآراء، وتكابر وتصر على رأيها الموحد.. فالاختلاف في الرأي وارد لا محالة، ووجهات النظر من الصعوبة أن تجتمع أحياناً في قالب واحد.. فأتأمل ذلك وأحاول جاهداً أن أحافظ على «أوتار الحب» الذي يجمعنا.. قبل أن ترحل عني على حين غرة.. فسعة الصدر وحسن الاستماع وحسن الرد والحذر من «الانفجار النفسي» لأي ردود فعل غاضبة.. كلها صفات تعين من أحب على أن يحافظ على وشائج الحب مع من يحب.. ومهما كان متحجراً في أسلوبه.. فالحب هو الذي يبقى في الأخير.. وسعة الصدر ونقاوته وتنظيفه مما علق به باستمرار.. هي من علامات الاستقرار النفسي.. وحب ما عند الله.. فإن أحببت الجنة ونعيمها، فإنك وبلا شك ستكون محباً لكل أنماط البشر.. مهما كانت طبائعهم الحياتية..
يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه: «إنه لا بد من نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فابدأ بنصيبك من الآخرة فخذه، فإنه سيمر على نصيبك من الدنيا فينتظمه انتظاماً، ويتحرك معك حيث ما تحركت». فقبل أن ترحل عنك تلك اللحظات الرائعات في جنبات الدنيا، استمتع بها حتى تحقق في نفسك استمتاعك بالآخرة في جنة عالية، استمتع بها واحرص أن تستظل بها أينما وطأت قدمك في مساحات الحياة، فبصمة الخير يجب أن تكون في جيبك، تستثمرها في كل حين، وفي كل موقف وفي كل مكان، لأنها المنجية لك من كل الملمات.. بصمة تستلذ بحلاوتها كلما قدمتها في ميدان ظل يشهد لك بأثرك جيلاً بعد جيل.. استمتع بلحظاتك في الدنيا قبل أن ترحل وجملها ببصمات الخير والعطاء. هل نخجل أن نقول «أحبك» لمن نحب.. هل نخجل أن نقولها لأبنائنا وأصحابنا وأحبابنا ومحبينا؟ فلماذا لا نستنشق عبيرها قبل أن ترحل عن عالمنا؟ ولماذا التردد عن كلمة تفيض بالمشاعر الجياشة وتكسر حواجز التردد، وتعيد مراتب الود والألفة والوئام إلى القلوب المنكسرة.. قل أحبك ولا تتردد فإن الحب لا يتكرر كثيراً في حياتك.. فعن أنس رضي الله عنه أن «رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر به فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أأعلمته؟ قال: لا. قال: أعلمه. فلحقه فقال: إني لأحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني فيه»، رواه أبو داود.
لا تتلكم بلغة الأموال.. ولا تحدث نفسك بما فعله غيرك فهي لا تتناسب مع حجم همتك.. لا تتكلم بلغة تنسيك أجور الآخرة الباقية، وتربطك بأجور الدنيا الفانية.. عجبي من أولئك الذين تناسوا مقاصد وجودهم في الدنيا، وأبرقوا وأرعدوا من أجل تحصيل مناصبهم الدنيوية.. قبل أن ترحل عنك تلك المعاني الفريدة.. اصحب نيتك في الأعمال وجملها بابتغاء الأجور.. وتكلم بلغة «حب الله» فهي الكلمة الخالدة في حياتك.
كتب رسالته العاشقة وهمس في أذن محبيه.. إنكم بالنسبة لي سند الحياة.. كتبها بلغة المشفق على سنوات حياته كيف انقضت وتنقضي بلا حسبان.. كتبها وهو يرنو ببصره لساعات الرحيل القادمة كيف ستكون وكيف سيجملها.. كتبها وهو يستذكر تلك الرسائل الجميلة التي حملتها له طيور الحب من أناس ما زالوا يسيرون معه جنبا إلى جنب ليحققوا معه نجاح الخير الذي قصدوه.. ثم رفع يديه إلى السماء شاكرا ربه الكريم أن أكرمه بالعمل في ميدان الأخيار.. يشكره على نعمه التي لا تحصى ولا تعد.. يشكره أن وفقه للخير.. ويدعوه أن يسامحه على التقصير.. ويعينه على ساعات الحياة القادمة بأن يقضيها ليكون مشعل خير في حياة البشر.. ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه.