المواقف المتشددة والملفتة للنظر لنظام «ولاية الفقيه» من انعقاد المؤتمر الوطني العراقي التأسيسي في باريس أواخر هذا الشهر، يجب أن تكون مفهومة لكل ذي بصيرة، متابع للأوضاع في العراق عقب الاحتلال الأمريكي ولحد يومنا هذا، ذلك أن هذا النظام قد تعود وبعد أن أصاب سرطان نفوذه بلاد الرافدين، أن تكون الكلمة الأخيرة والفاصلة له، ولم يتعود أبداً أن تكون هناك من كلمة أو موقف معارض له إلا بعد أخذ الإذن والسماح منه. إن مؤتمر باريس للعراقيين الوطنيين الشرفاء يعتبر أول وأهم كلمة وموقف ومشروع عملي رافض للنفوذ الإيراني جملة وتفصيلاً، ومن هنا يجب معرفة سبب فقدان هذا النظام وعملائه وأذنابه لصوابهم من عقد هذا المؤتمر.
المحاولات والجهود المستميتة التي بذلها نظام «ولاية الفقيه» عبر عملائه وأذنابه ومرتزقته في العراق من أجل الحيلولة دون عقد المؤتمر الوطني العراقي التأسيسي في باريس، والتي ولله الحمد والشكر باءت بفشل ذريع ولم تحصد إلا الخيبة والخذلان، دليل على خوف ورعب إيران من عودة السيادة الوطنية للعراق واسترداده لعافيته، وجعل زمام الأمور بيد أمينة من أبنائه الشرفاء الذين لا يدينون بولاء الطاعة إلا للشعب العراقي ولمصالحه العليا.
طوال 13 عاماً من النفوذ الممقوت والكريه لنظام ولاية الفقيه في العراق، لم يحصد العراق وشعبه سوى المصائب والمآسي والكوارث الإنسانية، التي هزت على الدوام الضمير الإنساني لهول بشاعتها، وقد تأكد للشعب العراقي ولقواه الوطنية بشكل خاص وللدول الغربية والعالم أجمع بشكل عام استحالة نجاح العملية السياسية الجارية في العراق، منذ أن أمسك الإيرانيون بزمام الأمور فيها وطفقوا يوجهونها كيفما يحلو لهم، وأن تصاعد مد الرفض والكراهية للدور الإيراني الخبيث في العراق، والذي سعى على الدوام ومن خلال طرق وأساليب بالغة الدناءة عزل العراق عن محيطه العربي، وتغيير هويته العربية وجعله مجرد تابع في فلك نظام «ولاية الفقيه»، وقد جاء المؤتمر الوطني التأسيسي في باريس ليجمع ويوحد في الاتجاهات والرؤى والمواقف الرافضة للنفوذ الإيراني البغيض، وينسق فيما بينها بما يخدم المصالح الوطنية العليا للعراق وشعبه الأبي.
الشعب العراقي بمختلف أعراقه وطوائفه قد ضاق ذرعاً بالعملية السياسية الجارية في العراق منذ 13 عاماً، والتي لم تخدم العراق وشعبه مطلقاً بقدر ماكانت عملية فاشلة وفاسدة 100%، جعلت من المصالح العليا لنظام «ولاية الفقيه» فوق كل اعتبار آخر، علماً بأن الشعب العراقي برمته صار يعلم علم اليقين أن إيران هي سبب كل البلاء الحاصل في العراق، وهي التي تبث الأفكار والنزعات المنحرفة والمشبوهة التي تدعو للكراهية والحقد والصراع الدموي، بل أن الجميع بات يعلم أن نظام «ولاية الفقيه» هو من يقف خلف تأجيج الفتنة الطائفية في العراق، ذلك أنه ولكي يضمن نفوذه وهيمنته على العراق بحاجة لكي يجعل هذا الشعب منقسماً على نفسه ومشغولاً ببعضه.
الحكومات المتعاقبة على الحكم في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له، هي حكومات قد تسابقت على تقديم ولاء الطاعة والخدمة لإيران، خصوصاً وأن هذه الحكومات قد هيمن عليها أزلام وعملاء إيران، ولهذا فقد أشاعوا ونشروا الفساد يمنة ويسرة، كي يجعلوا الأوضاع والظروف مناسبة ومواتية للنفوذ والهيمنة الإيرانية، وأن الفئات المشبوهة التي هيمنت على مقاليد الأمور في العراق يصح وينطبق عليها الآية الكريمة القائلة: «واذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد»، ومن هنا فقد أدرك الغرب ومعه الدول العربية نتائج تدخل إيران في العراق، وما له من آثار سلبية ليس على العراق فحسب، بل على الدول العربية أيضاً، وبات أهل العراق والوطنيون الشرفاء يدركون وبصورة تامة أن العملية السياسية الحالية في العراق غير مجدية بالمرة، ولابد من إنقاذ العراق قبل انهياره، فجاءت الخطوة المباركة من العراقيين الوطنيين الشرفاء لعقد المؤتمر الوطني التأسيسي في باريس، ليشكل خطوة إيجابية باتجاه إنقاذ العراق من الفساد والظلم والاستبداد، وليكون المؤتمر مشروعاً وأرضية خصبة، وخالصة للشعب العراقي ضد العملاء الطائفيين، ويكون عابراً للطوائف والقوميات، ويؤكد على وحدة العراق وهويته وعمقه العربي ويرفض هيمنة واحتلال الولي الفقيه له.
نعم إن الدعوة للمؤتمر، وقبيل انعقاده يدق ناقوس الخطر لدى قيادة نظام «ولاية الفقيه» في إيران، لأنه يشكل خطراً فعلياً على مصالحه في العراق خاصة وأن النظام السياسي القائم في العراق عميل لإيران وينفذ مصالحها، وهي تدعمه بقوة بسبب هذه المصلحة التي تخاف عليها وعلى عملائها من وحدة الشعب العراقي وقوته كما هو واقع الحال بالنسبة للمؤتمر الوطني العراقي التأسيسي.
استنفار نظام «ولاية الفقيه» جهوده المشبوهة من أجل عدم عقد المؤتمر وممارسة الضغط على فرنسا من أجل منع عقده، واحتضان المؤتمر بدعوى أن المؤتمرين من الدواعش تارة وأخرى بأنهم بعثيون أو مطلوبون للعدالة أو بدعوى أنه مؤتمر طائفي، كل ذلك له دلالة واحدة على أن نظام «ولاية الفقيه» في إيران يرى أن انعقاد المؤتمر دليل قوة الطرح وجديته وإخلاص المؤسسين والمشاركين فيه، وسوف يشكل المؤتمر جبهة وطنية عراقية بمباركة عربية وبترحيب غربي.
أختم كلامي بدعوة من القلب خالصة إلى إخواني العراقيين الشرفاء بكل أطيافهم وطوائفهم وقومياتهم، إلى عدم تفويت هذه الفرصة وتوحيد صفوفهم وترك الخلافات الشخصية أو الحسابات الحزبية التي لا يستفيد منها إلا أعداء العراق، والعمل مع إخوانهم في المؤتمر في سبيل إنقاذ العراق وتحريره وأخذه إلى شاطئ الأمان، والله من وراء القصد عليم.
* الأمين العام للمجلس
الإسلامي العربي في لبنان