خلال الأعوام الماضية، عمد التجار وأصحاب رؤوس الأموال من أتباع الديانات السماوية الثلاث «اليهودية والمسيحية والإسلام»، إلى اتخاذ تسميات ذات إيحاء وطابع أو خلفية دينية لمؤسساتهم وشركاتهم ومدارسهم ومستشفياتهم ومطاعمهم إلخ... وسبيل المثال لا الحصر، مستشفى راحيل اليهودية، ومستشفى مريم المسيحية، ومستشفى الرسول الأعظم الإسلامي، والذي يبدو واضحاً وجلياً هو أن معظم المسميات لا تنطبق على المسمى!
استخدام التسميات الدينية في مشاريع وأنشطة تجارية بحتة، المقصود منه جذب عطف الناس واللعب على مشاعرهم وستعطافهم بما يحقق الربح والفائدة المرجوة من ورائها، بل إن استغلال الدين لأغراض وأهداف دنيوية لاعلاقة لها بالدين مرفوض من قبل الديانات الثلاث وإن المصلح الديني «مارتن لوثر»، قد وضع النقاط على الحروف بهذا السياق عندما قال وهو يعلق على صكوك الغفران التي كانت الكنيسة قبل عصر النهضة الأوروبية تقوم ببيعها للناس: «هذا كله كذب وافتراء، الدين لا يشترى بالفلوس أو الجنة ليست لمن يدفع أكثر لبابا روما وبطانته الذين لا يشبعون من المال، الجنة هي للمؤمنين الحقيقيين الذين يخشون الله ويعملون صالحاً ويرأفون بالفقراء ولا يبتزونهم ويسرقون أموالهم».
وبإلقاء نظرة على التاريخ واستنطاق أحداثه، يتبين لنا أيضاً حقائق وشواهد أخرى بشأن موضوع المتاجرة بالدين لمصالح دنيوية، وإنه عندما كان رؤساء الكهنة والصيارفة وباعة الحمام والأغنام يمارسون أعمال البيع والشراء، وكانوا يدفعون نسبة مئوية عن كل ما يباع ويشترى في ساحة الهيكل، فإن سيدنا عيسى عليه السلام، قد تصدى لهذا الأمر بقوة واستشاط غضباً وهو يقول: «لأن بيتي هو بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص»، وواضح جداً أن سيدنا عيسى عليه السلام، قد رفض بقوة استخدام واستغلال الدين لأغراض وأهداف لاعلاقة لها بالدين.
أما في الإسلام، فإن هناك آيات كثيرة ترفض الاتجار بالدين وتنهى عنه ومنها: «ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلا...»، و«إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخره ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم»، و«فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون».
أما الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، فقد قال في الحديث الشريف في قوله عز وجل «وعلم آدم الأسماء كلها»، «قال علمه منها أسامي ألف حرفة من الحرف، قال يا آدم قل لولدك إن لم تصبروا عن الدنيا، فاطلبوها بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين»، ولا غرو من أن قصد ومرمى النبي عليه الصلاة والسلام من حديثه الشريف هذا واضح جداً، وليس بحاجة للشرح والتوضيح، كما أن الآيات الكريمة التي أوردناها آنفاً، هي أيضاً قطعية في مجال عدم السماح باستغلال وتوظيف الدين لأغراض لاعلاقة لها بالدين، قال تعالى «الله أذن لكم أم على الله تفترون»، ولهذا فإن على التجار وذوي المصالح أن يسعوا لعدم استغلال الدين كواجهة من أجل الانتفاع والربح على حساب الناس والدين.
لكل إنسان كامل الحرية في إطلاق أية تسمية على أي مشروع أو نشاط تجاري أو عملي ولكن بعيداً عن التسميات أو الإيحاءات الدينية لكي لا يتم التغرير بالناس واستعطافهم من وراء ذلك.
* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان